العدد ٣٥ - ٢٠٢٢

قصة للأطفال

هذه القصة الموجهة للأطفال كتبها القائد الشيوعي المفكر الماركسي أنطونيو غرامشي (١٨٩١-١٩٣٧) لطفليه وهو في السجن. اعتقل مؤسس الحزب الشيوعي الايطالي في تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٢٦، رغم حصانته النيابية. وفي أيار/مايو ١٩٢٨، صدر بحقه حكمٌ بالسجن لعشرين عامًا. علّق المدعي العام على الحكم بقوله: «يجب أن نمنع هذا الدماغ من التفكير!»

بالإضافة إلى الثروة الفكرية والنظرية والسياسية التي تركها غرامشي في «دفاتر السجن»، كتب نحو ٥٠٠ رسالة، معظمها موجّهٌ إلى والدته وزوجته الروسية يولكا شودت وشقيقتها تانيا وولديه: ديليو الذي كان في الثانية والنصف من عمره حين اعتُقل والده، وجوليانو الذي ولد ووالده قيد الاعتقال.

تروي الرسائل نضال غرامشي للتشبّث بالحياة والعيش مع عائلته على الرغم من وطأة الأمراض المتراكمة عليه، بما فيها التواء في العمود الفقري منذ الطفولة، والعلاقة المأسوية بزوجته عازفة الكمان الموهوبة والهشّة من الناحية النفسانية. اقترحت يولكا أن تنتقل إلى إيطاليا لتكون قربه، لكنها ما لبثت أن تراجعت، وتباعدت رسائلها ثم أصيبت بانهيارٍ عصبي في العام ١٩٣١، ما أورث غرامشي شعورًا عميقًا بالذنب، لاعتباره أنه هو المسؤول عن الضغوط النفسانية التي تعرّضت لها زوجته جرّاء سجنه. إلى هذا توفيت والدته وهو في السجن ولم يعلم بالأمر وظل يكتب لها الرسائل. العون الكبير الذي تلقّاه هو ما وفّرته تانيا التي انتقلت إلى إيطاليا للدراسة وللاهتمام به، وقد لعبت دورًا كبيرًا في التخفيف عليه من وطأة السجن والمرض، فكانت تزوّده بالكتب والمجلات، وتتنقل بين الدوائر الرسمية لتحسين شروط حياته في السجن، وتنظم الحملات لإطلاق سراحه، والأهم تشجعه على الاستمرار بالكتابة.

في العام ١٩٣٦ نُقل غرامشي من السجن إلى المستشفى لانهيار حالته الصحية. ساعده أحد زملائه في السجن في تخبئة دفاتره والرسائل ثم تهريبها إلى الخارج. توفي أنطونيو غرامشي في نسيان/أبريل ١٩٣٧. وكتب في آخر رسالةٍ إلى ابنه ديليو يقول فيها:
«حبيبي ديليو، أنا متعبٌ قليلًا ولن أستطيع أن أكتب الكثير. مهما يكن، اكتب لي أنت، رجاءً، وأخبرني عن كل ما يثير اهتمامك في الدراسة. أخمّن أنك تحبّ التاريخ، مثلما أنا أحببته عندما كنت في سنّك، لأنه يتعاطى مع بشرٍ أحياء، ومع كل ما يتعلق بالناس، بأكبر قدر ممكن من الناس، بل بجميع الناس في العالم، وهم متّحدون في مجتمعاتٍ يكدحون ويناضلون ويسعون إلى حياةٍ أفضل فيها. كلّ هذا من شأنه أن يسرّك أكثر من أي شيء آخر، أليس كذلك؟»

 

 

 

 

 

 

 

 

العدد ٣٥ - ٢٠٢٢

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.