العدد ٣٦ - ٢٠٢٣

ضد مدّ التاريخ

سموّ السياسة في فكر سلامة كيلة

التكوين السياسي

ولد سلامة كيلة عام ١٩٥٥ في فلسطين ببيرزيت، وهي بلدة صغيرة شمال رام الله. عايش خلال حياته الباكرة موجات المدّ القومية العربية بزخمها وإرهاصاتها. غذّت هذه الأيديولوجيا آنذاك حركات التحرر ضد السلطات الاستعمارية وما سمّاه بيري أندرسون «التسلسل غير المنقطع تقريبًا للحروب الإمبريالية والتدخلات في فترة ما بعد الاستعمار»1، إذ إنّ إقامة دولة إسرائيل عام ١٩٤٨ قد شددت القبضة الإمبريالية على العالم العربي ومعها ضرورة تشكيل جبهة عربية موحدة لردع القوات الغازية وتحرير فلسطين.

بحكم نشأته في كنف والدٍ ناصريّ، بدأ كيلة احتكاكه بالقومية العربية منذ الصغر، ولم يردعه الإفلاسُ الإيديولوجي الذي عايشه في سنين لاحقة فضلاً عن إخفاقات الدول القومية في فترة ما بعد الاستقلال عن المحافظة على الدافع الأساس وراء هذه الأيديولوجيا. في الواقع، فهم كيلة المنطقة كمنطقة، معترفًا بالترابط بين الدول والنضالات، معيدًا صياغة العروبة باعتبارها سياسة عربية اشتراكية ذات بعد أممي.

من وجهة النظر هذه، تخيّل كيلة منظومةً يساريةً عابرةً للحدود الوطنية قادرة على تحقيق التحوّل الاجتماعي الكامل والاستقلال الاقتصادي في جميع أنحاء العالم العربي. وفي حدود رؤيته، ستعمل هذه المنظومة على مستوى المنطقة كقوة وسيطة للحركات الشعبية ضد القوى الإمبريالية وإسرائيل والدول العربية الكومبرادورية وتوحيد وسائل الإنتاج وتوجيهها بشكل منهجي في كلّ بلد نحو التنمية المتساوية لكامل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

جادل المفكر الفلسطيني بأن إعادة تأهيل الماركسية شرط ضروري لتحقيق هذا المشروع الضخم. وأكد أنه يجب إنقاذ الماركسية من الدوغمائية وتكييفها وإعادة ابتكارها وفقًا للخصوصيات التاريخية للمنطقة وموقعها العالمي في الزمان والمكان. لا شكّ في أنّ تجذره المبكر تجاه اليسار كان جزءًا من نزعةٍ أكبر بين وفرة من المثقفين والمناضلين المسلّحين العرب الذين أعادوا توجيه أنفسهم أيديولوجيًّا بعد هزيمة مصر والأردن وسورية على يد إسرائيل عام ١٩٦٧، إذ كان هذا الحدث ونتائجه نقطة تحوّل بالنسبة لعموم المثقفين العرب، ولحظة تاريخية «حطمت نظرتهم للعالم وقلبت آمالهم الثورية».2

تركت تلك الهزيمة شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس ومرتفعات الجولان تحت السيطرة الإسرائيلية، ممّا أدى إلى استمرار التوسّع الاستعماري الإسرائيلي وتقويض روح القومية العربية وقيادات دول ما بعد الاستعمار، كما فاعلية الأحزاب الشيوعية الرسمية داخل فلك الاتحاد السوفييتي. أما بالنسبة للفلسطينيين على وجه الخصوص، فقد أكّدت الهزيمة خيبة أملهم من الأنظمة العربية، والتي تعود إلى أكثر من عقد من الزمان، وجعلت ظهور حركات المقاومة الفلسطينية المسلحة الناشئة أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.3

أثر هزيمة الـ٦٧

إن تجربة كيلة لمأساة عام ١٩٦٧ في بيرزيت، وهو في الثانية عشرة من عمره، شحذت تركيزه على الحركة الوطنية الفلسطينية وحرّضت تحوّله السياسي. «اللحظة التي شعرتُ فيها أنني تحولت من طفل إلى رجل هي لحظة هزيمة ٥ يونيو… عشتُ بداية الحرب وبداية دخول الاحتلال الصهيوني، منحتني تلك اللحظة فهمًا لمعنى مواجهة إسرائيل وتحرير فلسطين والعمل بالمقاومة. منذ تلك اللحظة أنهيت نفسي كطفل وبدأت الاهتمام بالسياسة».4

ومع غلبة القناعة بأن التحرير يتطلّب قوة سياسية وممارسة، انعكس ذلك على فكر كيلة منذ ذلك الحين: «كنت بعتبر حالي مع فتح وأنا لا بعرفه ولا بيعرفني».5 وعلى الرغم من أن كيلة لم يملك آنذاك سوى انطباع شابّ عن الحركة المسلّحة، إلا أن الحماس والتقديس اللذين شعر بهما تجاه المناضلين الفلسطينيين في أعقاب الحدث الكارثي سادا أنحاء العالم العربي، إذ لم يعد من الممكن اعتبار الدول العربية الفاعلَ الرئيسَ في مسار التحرّر. وبالفعل، برز الفدائيون الفلسطينيون كـ«رمز للتحدي العربي والتمرّد الجريء مقابل فشل الجيوش العربية وانعدام كفاءتها هي وأنظمتها التي تزعم التقدمية».6

خلال هذا الوقت، اتخذ الفكر شكل النقد الذاتي الذي أدرك المثقفون العرب من خلاله أوجه القصور في أيديولوجياتهم المعلنة واستراتيجياتهم للتحرر وتحالفاتهم السياسية.7 وظهر اليسار العربي الجديد في هذا السياق باعتباره مساءلةً للأيديولوجيات القومية والتفسيرات العقائدية للماركسية، إضافةً إلى العلاقة العمودية (من أعلى لأسفل) بين الاتحاد السوفييتي والأحزاب الشيوعية الرسمية في العالم العربي. ففي الواقع «لم يبدأ الشيوعيون العرب، بدرجات متفاوتة، عملية نقد ذاتي جادّ في ما يتعلق بقضية فلسطين إلا بعد عام ١٩٦٧». ومن الأمثلة على ذلك إدانةُ تأييدهم السابق للسياسة السوفييتية الرسمية الداعمة لخطة التقسيم عام ١٩٤٧.8 ومنذ ذلك الحين، أعربت الأحزاب الشيوعية بشكل متزايد عن مواقف أكثر راديكالية من المقاومة الفلسطينية إذ أصبحت الماركسية والعمل المسلّح الإحداثيّتين الرئيسيّتين للسياسات التحررية في العالم العربي، وارتبطتا في حالة كيلة ارتباطًا وثيقًا بصيرورته السياسية.

أصبح كيلة جزءًا من الحركة الوطنية الفلسطينية في أوائل السبعينيات، بعد أن نالَ منحةً أتاحت له الانتقالَ إلى العراق بهدف دراسة العلوم السياسية في جامعة بغداد. وأما الجامعة، فيقول كيلة «كانت مكتباتها زاخرة بكل أنواع الكتب، وكنتُ معنيًّا بالقراءة في مختلف مجالات التاريخ والسياسة والفكر، كنت معنيًّا ببلورة بديل مختلف عن الأحزاب القائمة».9 وبعد وصوله بفترة وجيزة، انضمّ الى كتيبة الجرمق وهي كتيبة طلابية يسارية مسلّحة مرتبطة بالتيار الماركسي لحركة فتح.10 كان اللواء الطلابي ذا طابع أممي، يعمل في دول عدة ويضمّ أعضاءً من جميع الطوائف والجنسيات العربية وغير العربية ويستمدّ الإلهام السياسي من الحركات الثورية في العالم الثالث الصاعد، وتحديدًا في الصين وفيتنام وكوبا.11 قدّمت هذه التجارب السياسية أمثلةً لنماذج بديلة للتنمية والتقدم الثوري الذي أنتجته الخصائص التاريخية لكل بلد. وخلال هذا الوقت، نضجت علاقة كيلة بالماركسية.

بعد انشقاق الكتيبة عن «فتح»، سعت كوادرها إلى بناء حزب شيوعي عربي لكنها حرصت على الحفاظ على الاستقلال الأيديولوجي للتنظيم. وكانت «كتيبة الجرمق» تعارض بشدة تأثير الاتحاد السوفييتي على الالتزامات الأيديولوجية والسياسية للمنظمات اليسارية في العالم العربي. ومع صعود الصين الشيوعية، أعلن أحد مؤسسي اللواء، ناجي علّوش، وهو شاعر فلسطيني ومجنّد مبكّر في «فتح»، وعمّ كيلة: «لم نخرج من تحت مظلّة موسكو لكي نضع أنفسنا تحت مظلّة بكين».12

بحلول أوائل الثمانينيات، اضطرت كتيبة الطلاب إلى أن تنتقل إلى سورية. وعلى الرغم من أنّ كيلة لم يستمرّ عضوًا فيها، إلا أنه استقرّ هو الآخر في سورية بعد أن أدرجته إسرائيل ضمن القائمة السوداء وحرمته من حقه في العودة بسبب نشاطه العسكري في الحركة الوطنية الفلسطينية.13 وبعد انتقاله إلى دمشق، اصطدم كيلة بحدود الممارسة السياسية في ظل نظام حافظ الأسد، فضلاً عن الفساد الأيديولوجي للأحزاب الشيوعية الرسمية المتحالفة مع «حزب البعث» الحاكم. وعلى الرغم من المناخ السياسي الكئيب في سورية، إلا أنه سرعان ما أقام روابط مع «حزب العمل الشيوعي السوري» والذي قدّم بديلاً سياسيًّا للقوى الشيوعية الموجودة في البلاد.

في السجن السوري

سعى «حزب العمل الشيوعي» (المعروف سابقًا باسم «رابطة العمل الشيوعي») إلى بناء «قطب ثالث من القوى السياسية الوطنية في إطار جبهة شعبية موحدة يمكن أن تطيح بنظام [البعث] وتقطع طريق القوى الدينية المتطرفة» وكذلك مواجهة القوى الإمبريالية العالمية.14 هذا الحزب «انخرط منذ نشأته في نهج أممي دولي يربط مصير الطبقات الشعبية في جميع أنحاء المنطقة والعالم»، وكان يهدف إلى إقامة حكومة ديموقراطية وثورية في سورية مكان نظام البعث.15 فضلاً عن أنه كان يتألف من تيارات سياسية متباينة وكان ديناميكيًّا في ممارسته السياسية ونظرياته، مشجعًا للنقد والسجالات السياسية والنقاش حول برنامج الحزب وتحليلات السياق التاريخي والسياسي.16 وجد كيلة في ذلك الحزب مساحةً للفكر السياسي الحقيقي والمشاركة التي تتخطى دوغمائية الأحزاب الشيوعية الرسمية. وعلى الرغم من أنه لم يكن عضوًا رسميًّا في «حزب العمل»، إلا أنه كان مشاركًا نشطًا في الإجراءات والمناقشات السياسية للمنظمة، حتى أنه فتح منزله لاستضافة اجتماعات الحزب.

إلا أن النظام السوري لم يتوانَ عن شنّ عدد من الحملات القمعية التي أسفرت عن سجن العشرات من عناصر التنظيم بمن فيهم الكوادر والقادة. وبسبب مشاركته الواسعة، سُجن كيلة في عام ١٩٩٢ إلى جانب قادة وأعضاء الحزب الباقين، ممّا أدى إلى شلّ حركة المنظمة بشكل فعّال. ولمدة ثماني سنوات، أمضى المثقف الفلسطيني وقتًا بين سجنين وحشيّين، عدرا وتدمر.17 وعندما عرضت الحكومة، في ذكرى الحركة التصحيحية عام ١٩٩٥، عفوًا يُفترض أنه يمنح السجناء السياسيين الشيوعيين الحرية مقابل «ترك العمل السياسي والانسحاب من الحزب والتعاون مع أمن الدولة»، رفض عدد من السجناء بمن فيهم كيلة.18 وعلى الرغم من تعرّضهم للتعذيب الشديد، لم يتراجعوا عن قرارهم. بقي كيلة مسجونًا لمدة خمس سنوات إضافية حتى عام ٢٠٠٠، فيما طال بقاءُ بعض رفاقه لفترة ما.

رفضت منظمات مثل «حزب العمل الشيوعي» سياسة خضوع الأحزاب الشيوعية الرسمية للقوى القومية، وعملت على تفكيك قبضة الأحزاب القومية على الدولة وبناء جبهة موحدة ضد القوى الرأسمالية والإمبريالية. ومع أنّ التجربة السياسية لـ«حزب العمل» لم تدُم طويلاً، إلا أن زوالها وزوال القوى اليسارية المستقلّة الأخرى يجسّد العواقب الحقيقية لدعم الاتحاد السوفييتي لما يسمّى الأنظمةَ العربية التقدمية ويؤكّد نقد كيلة للدوغمائية الماركسية المترسّخة في الأحزاب الشيوعية الرسمية.

إعادة صياغة الماركسية

رأى كيلة أنّ انحطاط الفكر يؤدي إلى تدهور التنظيم. بناءً عليه، جادل بأن الدوغمائية التي تحيط بالأحزاب الشيوعية الرسمية في المنطقة أدّت إلى ركود أيديولوجي ونقص سياسي. وهكذا، فإنّ صياغة بديل للأحزاب الشيوعية التقليدية وتطوير مشاريع سياسية مستقلّة ودائمة يعني أولاً امتلاك الشجاعة للانحراف عن الماركسية السائدة، كما تُقدّم نفسها.

اعتبر كيلة الماركسيةَ منهجًا ونمط تفكير، لكنه وجد أنّ الأحزاب الشيوعية الرسمية في المنطقة استندت إلى الماركسية باعتبارها «نصًّا مقدسًا» يفرض فهمًا نظريًّا مسبقًا للعملية التاريخية التي تتكشّف بدلاً من تطوير النظرية وفقًا لها.19 أشار كيلة وآخرون إلى هذا النمط من الماركسية بمسمّى «الماركسية السوفييتية» التي ارتبطت بتأبيد ستالين للماركسية في عقيدة جامدة وكاملة. وكما يقول المفكر الفلسطيني، كانت هذه الماركسية هي التي وصلت إلى العالم العربي، بهذا الشكل الموروث فتحوّلت إلى مجموعة طقوس بالية.

وفي العالم العربي، كان «الحزب الشيوعي السوفييتي» «مسؤولاً إلى حدّ كبير عن المبادئ التوجيهية العامة لاستراتيجية وتكتيك الأحزاب الشيوعية العربية، حتى في الأمور التي تتعلق مباشرةً بالشؤون العربية» مثل تقسيم فلسطين.20 وعلى الرغم من أن الأحزاب الشيوعية العربية الرسمية أصبحت في ما بعد أكثر استعدادًا «لتوجيه النقد النظري للمواقف الحزبية السابقة وللتجربة المبتكرة من منظور عربي حقيقي»، فقد استمرّت هذه الأحزاب في اتباع العقائد التي تمّ تطويرها في الخمسينيات والستينيات.21 انتقد كيلة على وجه الخصوص الأحزابَ الشيوعية الرسمية في العالم العربي بسبب تمسّكها بغائيّة وخطية تنمية المجتمع البشري التي تستند إلى حدّ كبير إلى مفهوم ستالين للحتمية التاريخية22 23. ولأنّ الستالينية، التي وصفها كيلة بأنها تكثيف لظاهرة الماركسية السوفييتية، قد تعاملت مع مقترحات ماركس وإنغلز ولينين على أنها قوانين عابرة للتاريخ وثابتة وليست مجموعة من الافتراضات القابلة للنقد والانتقاد، فقد فشلت الأحزاب الشيوعية العربية إلى حدّ كبير في تطوير وتعميم الفهم المناسب لمسار الرأسمالية وطابعها المميز في العالم العربي.24

كان لهذه العيوب النظرية أهمية عملية قصوى. جادل كيلة بأنه من خلال قياس العالم الحقيقي مقابل النص، فإن الأحزاب الشيوعية الرسمية أجابت وحلّلت كلّ شيء حتى قبل حدوثه، وبالتالي أصرّت على تكتيكات تتعارض مع الواقع في لحظات حاسمة من التاريخ25. وبدلاً من التساؤل عن الفهم الموروث الصارم لمراحل أنماط الإنتاج في ضوء التطورات في العالم العربي، استسلمت الأحزاب الشيوعية الرسمية نفسها لقوة الحتمية المطلقة. وبحسب تقدير كيلة، فإنّ التمسك بمثل هذا المفهوم الحتمي للتنمية الاجتماعية قد أدّى بالأحزاب الشيوعية إلى التنازل عن قيادتها للقوى الوطنية خلال حركات التحرر الوطني ضد القوى الاستعمارية، والتي استمرّت تداعياتها حتى يومنا هذا. وعلى هذا النحو، فشلت الأحزاب الشيوعية العربية في قيادة الطريق نحو التقدم الثوري أو في أن تصبح عوامل تغيير حقيقية وفاعلة.

وعلى الرغم من سياساتها التقدمية ومواقفها المعادية للغرب ولإسرائيل، فإن الأنظمة القومية «عملت بشكل أساسي على تقوية الرأسمالية والطبقة الرأسمالية الناشئة المرتبطة بالدولة».26 وفي الواقع، أهملت القوى القومية العربية مسألة الطبقة، وقلّلت من أهميتها أو رفضتها بشكل قاطع باعتبارها تقسّم الوحدة العربية.27 كانت هذه الأنظمة «تهدف إلى تحييد واضطهاد أي قوى يسارية تحاول تعزيز التعبئة المستقلة للعمّال والقوى الاجتماعية الأخرى».28 ونتيجةً لذلك، تمّ تجميد القوى الشيوعية المستقلة أو سجنها أو نفيها، في حين أن الأحزاب الشيوعية الرسمية «كانت مهادنة، ومكتفية بالحدود التي تقرّها الرأسمالية… وقابلة بالأمر الواقع».29

الانحدار العالمي

مع التحوّل النيوليبرالي، حَوّل القوميون العرب الإمبريالية إلى تهديد وجودي وخارجي بينما تبنّوا سياسات اللبرلة أو البرامج التي وضعها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بكاملها وفقًا لمصالحهم الطبقية العابرة للحدود. وفي هذه الأثناء، تخلّت الأحزاب الشيوعية الرسمية (والتي دعمت إلى حدّ كبير القوى القومية على أساس مناهضتها للإمبريالية) عن تخيّلاتها السياسية عن المستقبل الاشتراكي، وتحوّلت بدلاً من ذلك إلى الحنين إلى ماضي «رأسمالية الدولة». وجد كيلة أنه في حين كان للتضامن الأممي مع الأنظمة التي تتحدى الإمبراطورية الأميركية أهميةٌ سياسية، فإن التعتيم على مسألة التطور الطبقي الرأسمالي جعل أي بادرة مناهِضة للإمبريالية مجرّد كلام بلاغي.

في رؤية كيلة، يتطلّب النضال ضد الإمبريالية رؤية للمنطقة بأكملها كوحدة سياسية واقتصادية واحدة تستلزم بدورها جبهة يسارية على مستواها يمكن أن تحقق التحرر الاقتصادي والاجتماعي الكامل. وجبهة كهذه ستوحّد وتنظّم وتوجّه القدرات الإنتاجية والموارد الطبيعية والأسواق في المنطقة نحو التنمية المتساوية العابرة للحدود الوطنية للشرق الأوسط بأكمله وشمال أفريقيا. فالنضال لتحسين أوضاع الجماهير والنضال ضد الفئات الحاكمة والإمبريالية المسيطرة يقتضي «توحيد الوطن العربي، لأنّ النمو الاقتصادي (بمعنى إزالة التبعية وتجاوز التخلف) مستحيل من دون الوحدة بسبب النقص الأساسي الذي تعانيه كل دولة من الدول القائمة (الأيدي العاملة، الأرض الزراعية، رأس المال، الخبرات، إلخ.)، كما بسبب الحاجة إلى السوق الواسعة القادرة على استيعاب نهضة صناعية كبيرة».30 وأكد أنه فقط من خلال الوحدة يمكن أن تتحرر المنطقة بأكملها فعلاً.

إن القبضة الإمبريالية على المسار الاقتصادي للمنطقة بأكملها، فضلاً عن دورها في تشكيل التسلسلات الهرمية الإقليمية، عزّزت دعوة كيلة إلى جبهة موحّدة عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. أدرك كيلة الخصوصيات الفريدة لكلّ بلد، لكنه رأى في الاحتجاجات الجماهيرية ضد تدابير التقشف في تونس ومصر والمغرب والجزائر والأردن بين أواخر السبعينيات وأوائل التسعينيات والانتفاضات الجديدة التي انتشرت عبر الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في فترة ٢٠١٠-٢٠١١ أعراض محنة مشتركة. ففي جميع أنحاء المنطقة، شهدت البلدان تدمير قدراتها الإنتاجية وإفقار الناس ونهب الموارد الطبيعية، ما عزّز دور الطبقات الحاكمة الوطنية كقنوات لمصالح القوى الخارجية، ذلك أنّ الإمبريالية الأميركية «غدت ليست قوة احتلال خارجي فقط، بل وقوة استغلال داخلي، توظف قدراتها السياسية والمعنوية، وقواها العسكرية، كما توظّف أدواتها في الوطن العربي (الكيان الصهيوني والأنظمة الرجعية العربية) لكي تنهب خيرات الوطن، وتزيد من فقر الجماهير، لتزيد من تراكم رأسمالها».31

أمّا في حالة سورية، فقد أدّى تحوّلُ السياسة الاقتصادية للحكومة من تدخّل الدولة في السوق إلى اقتصادٍ موجّه نحو السوق إلى تدمير القطاع العامّ وإخضاع البلاد لقوى السوق الدولية. تسارعت وتيرة اللبرلة الاقتصادية مع صعود بشار الأسد إلى الرئاسة، إذ ظهرت لأول مرة على أنها اتّجاه لا رجعةَ فيه. ومع ازدياد ثراء النظام والطبقات المرتبطة به، غرقت الجماهير أكثر في الغمر. «بدأ بريق هذه الإصلاحات يتجلّى في مظاهر التفاخر بالثروة من قبل الطبقات العليا في المجتمع» بينما خفّضت الدولة في الوقت نفسه إنفاقها على الصحة والتعليم ورفعت تدريجيًّا الدعم عن السلع الأساسية وحرّرت قوانين التجارة والاستثمار، وعزّزت الشراكات بين القطاعين العامّ والخاص وخفّضت الضرائب على الشركات.32 وفي سعيها للتحرير الاقتصادي الجامح، فشلت الدولة في حماية السوريين العاديين ودعم قطاعاتها الإنتاجية والحفاظ على دورها الاقتصادي والاجتماعي المركزي.33

في مقاومة النيوليبرالية

بُعيد إطلاق سراح كيلة من السجن عام ٢٠٠٠، انخرط على الفور في الحركة المناهضة للعولمة، وهي حركة دولية مناهضة للرأسمالية رفضت «السياسات الليبرالية الجديدة والحروب التي تقودها الرأسمالية، سواءً في الوطن العربي أو في مجمل العالم».34 نشر المفكر الفلسطيني ورفاقه «البديل» وهو منشور ركّز على مواضيع مختلفة مثل السياسات الاقتصادية المحددة التي تنتهجها الحكومة السوريّة، والحروب الإمبريالية التي يقودها منطق رأس المال والديون وما يسمى بـ«التنمية» في العالم الثالث، كما اهتمّ بالمسار النيوليبرالي لبلدان أخرى في العالم العربي مثل مصر والمغرب. وزّع النشطاء منشوراتهم على نطاق واسع ونظّموا منتديات ونقاشات عمومية لتشجيع الحوار على مستوى الأمة حول الاتجاه الاقتصادي للبلاد. وعلى الرغم من أن النظام غضّ الطرف عن الحركة المناهضة للعولمة، إلا أنّ الهامش الذي منحته الدولة لهؤلاء الناشطين كان ضيّقًا. بحلول عام ٢٠٠٦، وفي الوقت الذي اعتنق فيه النظام عقيدة الانفتاح الكامل للسوق، قام بتكثيف حملاته القمعية ضد المتورطين في الحركة واعتقل العشرات من النشطاء، وكانت أغلبيتهم من الطلاب.

ومع اندلاع الانتفاضة السورية في آذار/ مارس ٢٠١١، وجد كيلة وعددٌ من اليساريين والشيوعيين من مختلف الطوائف والأعمار والخلفيات السياسية أن من الضروري تشكيل جبهة يسارية واسعة من أجل توحيد القوى اليسارية التقدّمية في البلاد. سعى «ائتلاف اليسار السوري»، وهو مظلّة من الكوادر الشيوعية واليسارية الشابة، إلى التعبير عن المُثل التحررية الناشئة من داخل الانتفاضة نفسها وطرح برنامج يعكس المُثُل التحررية والمساواة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وطالب التنظيم في برنامجه السياسي بإسقاط النظام وإعادة صياغة الدستور السوري وتعزيز القطاع الإنتاجي وزيادة الدعم الاجتماعي وردم الانقسام الحضري-الريفي وبناء قوى ثورية ضد إسرائيل من أجل تحرير فلسطين ومرتفعات الجولان من بين أمور أخرى. كما جادل تحالفُ اليسار بأنّ استقلال سورية الوطني وأمنها يتوقفان على إعادة تأهيل وتطوير الصناعات الإنتاجية الوطنية والقطاع الزراعي في البلاد وكذلك على التراجع عن السياسات الاقتصادية النيوليبرالية للنظام، إذ «لا يوجد استقلال ضمن حدود التبعية الاقتصادية التي تولدها السياسات النيوليبرالية».35

نشر «تحالف اليسار السوري» صحيفة «اليساري» وتمّت مناقشتها وكتابتها وطباعتها سرًّا في منزل كيلة. وتمّ توزيع المنشور، الذي ركّز على المسائل النظرية السياسية التي تواجه الحراك الجماهيري، بشكل سرّي على الجماعات اليسارية والأفراد المنتظمين في الحركة، ونُشر على الإنترنت لمن هم داخل سورية وخارجها.36

كان «تحالف ائتلاف اليسار السوري» وتنظيمُه الجماهيري أيّ «شباب الثورة السورية»، واحدًا من المنظمات اليسارية القليلة التي انضمّت بجدية إلى الحركة الثورية.37 أما القوى الشيوعية التقليدية «فبدلاً من ممارسة نقد ذاتي لتقصيرها في الانخراط في الثورة وترشيدها وحمايتها من الاختراق، وجدناها تجلد الشعوب المنتفضة وتجرّح بأقسى العبارات وأقذعها كلّ من انخرط في صفوفها»، حسب توصيف كيلة.38

لم يتجاهل كيلة تهديدَ الإمبريالية التي تقودها الولايات المتحدة ولا دورَها المحدّد في نتائج الحركات السياسية التي تهدد هيمنتها. ومع ذلك، فقد جادل بأن الذين وقفوا ضد الانتفاضة على أساس «معاداة الإمبريالية» حرموا الشعبَ السوري من دوره كفاعل سياسي وتاريخي واستسلموا للقوى العالمية على اعتبارها قوى التغيير النهائية. يشبّه كيلة هذا التوجه في التفكير بالمعسكر الليبرالي في سورية الذي اعتبر بالمثل الولايات المتحدة والقوى الغربية بمثابة الوكلاء الأساسيين في العملية الثورية نظرًا لقدرتها على فرض التحوّل السياسي. وجد كيلة بالتالي أن الشعب السوري بالنسبة لمن يُسمّون «معادي الإمبريالية» والليبراليين ليس أكثر من مادّة تحكم عليها القوى العالميةُ قبضتها وتتصرّف بها كما تشاء. وزعم أنه برغم «اختلال ميزان القوى، (فإنّ) كلّ سعي للتغيير ينطلق من ميزان قوى مختلّ، وما يغيّر هو قدرة الحزب على تنظيم الطبقة التي يسعى إلى أن يعبّر عنها، وتطوير الصراع يما يسمح بتغيير ميزان القوى».39

لقد تعرّض «ائتلاف اليسار السوري»، مثل العديد من التنظيمات التقدمية في الانتفاضة السورية، للقمع العنيف من قبل النظام وكان أضعفَ من أن يوجّه الحراكَ الشعبي أو يقف في وجه القوى الرجعية، وكان الموتُ أو الاعتقال أو النفي مصيرَ العديد من أعضائه. وفي شهر نيسان/ أبريل ٢٠١٢، تمّت مداهمة منزل كيلة من رجال أمن يرتدون ملابس مدنية وعثروا على نسخ من «اليساري»، وهو اكتشاف كان أكثر من كافٍ لإدانة المفكر. عقب هذه الحادثة، سُجن قرابة شهرين تمّ خلالها استجوابه وتعذيبه وحرمانه من علاجه اليومي الذي كان مداوِمًا عليه منذ تعافيه من مرض السرطان عام ٢٠٠٤. وعند إطلاق سراحه، نُفي مرة أخرى، لكنه استمر في الكتابة والتفكير في القضايا التي تواجه سورية والمنطقة الأوسع.

وعلى الرغم من الطبيعة العفوية، والمتناقضة في بعض الأحيان للانتفاضة السورية، أو ربما بسببها، أكد كيلة أن واجب الماركسيين واليساريين داخل الحركة هو تطوير التجربة الثورية للناس حتى يتمكنوا من تحقيق النصر في ثورة أخرى.40 وفي الواقع، وجد كيلة اللحظة مناسبةً لتنمية الأفكار والممارسات ضمن التكشّف العملي والثوري للحدث.

خُلاصة

أثناء الأيام الأولى لانتفاضات ٢٠١١، حاجج بيري أندرسون بأنه على الرّغم من إفلاس الأيديولوجية القومية العربية، إلّا أنه يجب إنقاذ البعد الجماعي الذي رفعته إذا ما أردنا تحقيق تحوّل في المنطقة. أدى تبلور القومية العربية، كما يقول أندرسون:

«إلى صعود وفساد وفشل الناصرية والبعثية. لن يتم إحياؤها اليوم لكن يتعيّن استعادة الدافع وراءها على امتداد العالم العربي، إذا أريد للتمرّد أن يتحوّل إلى ثورة. الحرية والمساواة بحاجة إلى الاندماج مجددًا، لكن من دون الأخوّة، في منطقة متداخلة ومترابطة بشكل واسع، فإنهما عرضة للتلف والتخريب… المطلوب هو أممية عربية سخيّة، قادرة على أن تتصوّر (في المستقبل البعيد، عندما تتمّ الإطاحة بآخر شيخ) التوزيعَ العادل للثروة النفطية بالتناسب للسكان في جميع أنحاء العالم العربي، وليس البذخ الرهيب للقلّة التعسفية وعوز الكثيرين البائسين».41

أدرك كيلة أنّه لا يمكن تحديد ملامح رؤية جديدة ستوجّه العمل الثوري في مرحلته التالية إلا من خلال التدمير البنّاء للأشكال القديمة.42 لا شكّ أن رؤية كيلة السياسية تظهر يوتوبيّة، لكنها يوتوبيّة دالّة، أو قلْ عرَضيّة: عندما تفشل الواقعية المتّزنة - أي ذات النزعة النقدية - في تمييز نفسها عن الكلبية (cynicism) الجامحة، تتّخذ اليوتوبيا محتوًى سياسيًّا وطابعًا عقلانيًّا. ما دامت السياسة متجذّرة في التاريخ، فإن الطابع الساذج لهذا القول يغدو جدليًّا: تنشيطُ الخيال بهدف فضح ظاهرية الفهم المُكتمل والنهائي.

  • 1. Perry Anderson, “On the Concatenation in the Arab World”, New Left Review Volume 68, March-April 2011.
  • 2. Manfred Sing, “Arab Self-Criticism after 1967 Revisited: The Normative Turn in Marxist Thought and its Heuristic Fallacies”, Arab Studies Journal Volume 25, No. 2 (Fall 2017): 148.
  • 3. Rashid Khalidi, Hundred Years’ War on Palestine: A History of Settler Colonialism and Resistance, 1917-2017 (S.L.: Picador, 2021), 69-128.
  • 4. اطمة حوحو، فيسبوك، ٢٠١٨، «رحيل الفلسطيني السوري المغربي: سلامة كيلة، مناضل لم يثنه التعذيب عن إطلاق شراراتٍ فكريّة ولم تحبطه هزيمة عن زراعة الأمل»، https://www.facebook.com/329091257148445/photos/a.884023368321895/196582....
  • 5. بي بي سي عربية، مقطع إخباري، ١٢ شباط/ فبراير ٢٠١٦، يوتيوب، «سلامة كيلة في المشهد»: www.youtube.com/watch?v=W9nseo9YJsk.
  • 6. Ahmad Samih Khalidi, “The Ripples of The 1967 War: Arab Defeat Changed the Course of Palestinian History, but the Final Chapter Remains Unwritten”, Cairo Review no. 25 (Spring 2017): 28-29.
  • 7. اختلف موضوع النقد، إذ واجه بعض المثقفين الإمبريالية باعتبارها السبب الحاسم للهزيمة فيما حاسب آخرون الأنظمة القومية العربية التي فشلت في تحقيق مشاريعها الأيديولوجية، حتى لو كانت لأسباب ليست تحت سيطرتها بالكامل. وغيرهم من صوب إلى المجتمع، منتقداً الممارسات والقيم والتقاليد الثقافية والدينية المحافظة التي ابتليت بها ولم ينجُ منها حتى الثوار الشباب في ذلك الوقت، مما أعاق عملية التحرر الاجتماعي والسياسي. انظر: Fadi A. Bardawil, “The Inward Turn and Its Vicissitudes: Culture, Society, and Politics in Post-1967 Arab Leftist Critiques,” in Local Politics and Contemporary Transformations in the Arab World: Governance beyond the Center, ed. Malika Bouziane, Cilja Harders, and Anja Hoffmann (Houndmills, Basingstoke, Hampshire; New York, NY: Palgrave Macmillan, 2013), 91–109; Tareq Y. Ismael, The Arab Left (Syracuse, New York: Syracuse University, 1976); Sing, “Arab Self-Criticism after 1967 Revisited: The Normative Turn in Marxist Thought and its Heuristic Fallacies”.
  • 8. Tareq Y. Ismael, The Communist Movement in the Arab World (New York: RoutledgeCurzon, 2005), 36-42.
  • 9. حوحو، «رحيل الفلسطيني السوري المغربي: سلامة كيلة».
  • 10. وفقاً لطارق يوسف إسماعيل، زعمت فتح أنّها جسّدت اليسار الجديد. إذ اعتبر أبو إياد، وهو أحد أهم أعضاء اللجنة المركزية لـ«فتح» أنّ تنظيمه «على صلة بالفكر التقدمي، أكثر من أولئك الذين يعلنون بالإسم دعمهم للفكر [الماركسي اللينيني]»، أي الأحزاب الشيوعية الرسمية. انظر: إسماعيل اليسار العربي، ص. ١٠٨؛ للحصول على مخطط تاريخي غني للحركة الوطنية الفلسطينية، انظر: الخالدي : Hundred Years War On Palestine، ص. ٦٩-١٢٨.
  • 11. أبو سعدة، عطيّة، ٥ أبريل/ نيسان ٢٠١٣، بدوي، غزّة، «تاريخ أبطال لواء الجرمق»، https://bit.ly/38UNTkZ.
  • 12. سلامة كيلة، ٠٦ اغسطس ٢٠١٨، «الكتيبة الطلابية وتجربة ناجي علوش ويسار «فتح»»، العربي الجديد https://bit.ly/3flgBPE.
  • 13. بي بي سي عربية، «سلامة كيلة في المشهد».
  • 14. محمود عيسى، وثيقة غير منشورة تمّت مشاركتها مع الكاتبة، «رحلة المناضل سلامة كيلة في السّجن من عام ١٩٩٢ إلى عام ٢٠٠٠».
  • 15. ضاهر، جوزيف، ١٦ أكتوبر/ تشرين الأوّل ٢٠٢٠، (Syria's Labor Communist Party, A Rich Political Hitsory), Syria Untold https://syriauntold.com/2020/10/16/syrias-labor-communist-party-a-rich -السياسة-التاريخ / .
  • 16. المرجع نفسه.
  • 17. عيسى، «رحلة المناضل سلامة كيلة في السجن من عام ١٩٩٢ إلى عام ٢٠٠٠».
  • 18. المرجع السابق.
  • 19. كيلة، سلامة، «ما هي الماركسيّة؟ تفكيك العقل الأحادي»، دار الينابيع، ٢٠٠٦، دمشق، ص. ٧
  • 20. Ismael, The Communist Movement in the Arab World, 22.
  • 21. المرجع نفسه، ص. ٣٠.
  • 22. كيلة، سلامة، «ما هي الماركسيّة؟ تفكيك العقل الأحادي»، ص. ١٥.
  • 23. كيلة، سلامة (باسم مستعار: سعيد المغربي)، «نقد التجربة التنظيميّة الراهنة»، منشورات الوعي، ١٩٨٨.
  • 24. بالتأكيد، هذا تعميم، بل تبسيط، لحقيقة الأمر بالفعل. في هذا المخطط التقريبي، يبدو جليًّا خطر اختزال الماركسيين العرب إلى مجرد ملاحقَ للاتحاد السوفييتي، وتصوّرهم إلّا طفوليين غير قادرين على إنتاج أبحاثهم الفكرية الخاصة أو انتقاد التفسيرات الماركسية السائدة في سياق العالم العربي. تشخيص الدوغمائية الشيوعية هو تشخيص سياسي محض. وهذا يعني أنه يجب فهم الاتجاه السائد انطلاقًا من الفضاء الاجتماعي والسياسي المعقد الذي وجد الشيوعيون العرب أنفسهم فيه والذي كانوا منشغلين به. تشخيص الشيوعيين العرب على أنهم أخفقوا في ترسيخ أنفسهم في مجتمعاتهم انطلق من زوايا مختلفة. في نقد هذه التوصيفات المسطحة (لأنها شمولية)، والتي يتم فيها استبعاد السياسة نفسها، راجع: Samer Frangie’s “Theorizing from the Periphery: The Intellectual Project of Mahdi Amil,” International Journal of Middle East Studies 44 (2012): 465-482. doi:10.1017/S0020743812000426. يجادل فرنجية في هذه الورقة البحثية في الادعاءات بأنّ المثقفين والشيوعيين العرب لم يقدموا مساهمات ذات شأن في الفكر العربي المعاصر، من خلال عرض نقدي للمساهمات النظريّة للماركسي اللبناني وعضو الحزب الشيوعي اللبناني مهدي عامل.
  • 25. كيلة، سلامة، «ما هي الماركسيّة؟ تفكيك العقل الأحادي»، ص. ١٨
  • 26. (Hanieh, Lineages of Revolt, 71-78)
  • 27. المرجع نفسه.
  • 28. (Hanieh, Lineages of Revolt, 71-78 )
  • 29. كيلة، سلامة، «ما المركزيّة: تفكيك العقل الأحادي»، ص. ٩٨-٩٩.
  • 30. كيلة، سلامة، «طريق الانتفاضة: لماذا تثور الطبقات الشعبيّة؟»، منشورات دار المتوسط، ٢٠٠٧، ص.٥٩
  • 31. كيلة، سلامة، «طريق الانتفاضة: لماذا تثور الطبقات الشعبية؟»، دار المتوسط، ٢٠٠٧، ص. ١٩.
  • 32. Linda Matar, The Political Economy of Investment in Syria (Basingstoke: Palgrave Macmillan, 2020), 109-12; Ali Kadri, Unmaking of Arab Socialism (London, New York: Anthem Press, 2016), 136
  • 33. Linda Matar, “Macroeconomic Framework in Pre-conflict Syria,” in Syria: From National Independence to Proxy War (Switzerland: Palgrave Macmillan, 2019), 106.
  • 34. لاريسا بندر، «حوار مع سلامة كيلة: مخاطر العولمة من منظور عربي»، قنطرة، ٢٠٠٦. https://ar.qantara.de/content/hwr-m-slm-kylh-mkhtr-lwlm-mn-mnzwr-rby
  • 35. جريدتنا، ١٣ نيسان/ أبريل، ٢٠١٣، «الشعب السوري الثائر»، ص ١٠-١١.
  • 36. لسوء الحظ ، لم تعد النسخ الورقية والإلكترونية للصحيفة موجودة.
  • 37. كان «شباب الثورة السورية» منظمة يسارية واسعة نشطت بشكل كبير في الانتفاضة. للحصول على وصف تفصيلي عن «الشباب الثوري السوري»، انظر: Yasmeen Mobayed, “The Antinomies of Kassioun: The History of a Communist Organization in Syria, 1999-2015,” Rosa Luxemburg Stiftung (2022): 23.
  • 38. نصّار، عديد، ٢٠ كانون الثاني/ يناير ٢٠١٩، مجلة الحوار المتمدّن، «سلامة كيلة: المناضل والمُفكّر والإنسان»،https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp؟aid=625355 .
  • 39. سلامة، كيلة، «حول تقسيم فلسطين والتبعيّة لموسكو»، ١٢ تموز/ يوليو ٢٠١٨، مركز الدراسات والبحوث العلمانيّة. https://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=605103.
  • 40. Salameh Kaileh, “On the Role of the Syrian Left in the Syrian Revolution”, Rosa Luxemburg Stiftung, www.rosalux.de/fileadmin/rls_uploads/pdfs/sonst_publikationen/The_Left_a..., 53-73
  • 41. Anderson, “On the Concatenation in the Arab World”.
  • 42. كيلة، سلامة، نقد التجربة التنظيميّة الراهنة.
العدد ٣٦ - ٢٠٢٣
سموّ السياسة في فكر سلامة كيلة

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.