العددان ١٨-١٩ خريف ٢٠١٧ / شتاء ٢٠١٨

ثورة أكتوبر الروسيّة ١٩١٧: البدايات

النسخة الورقية

نخصّص القسم الأكبر من هذا العدد المزدوج لمئويّة الثورة الروسيّة ١٩١٧. اخترنا أن نخرج عن المألوف، أي عن الحديث عن النظام الذي أنشأتْه الثورة في صعوده وانهياره. أردناها فرصةً للتعرّف إلى الثورة ذاتها، بما هي عمليّة استيلاءٍ على السلطة التي طبَعت القرن العشرين إلى حدٍّ بميسَمها مع قيام نظامٍ اقتصاديٍّ اجتماعيٍّ يقدّم نفسه على أنّه البديل من النظام الرأسماليّ. لم يقتصر سعينا على دراسة العمليّة الثوريّة بذاتها، أردْنا التعرّف إلى ما ليس معروفاً كثيراً، بل يكاد أن يكون مجهولاً: توثيق مجريات العقد الأوّل من الثورة والإضاءة على الجوانب المختلفة للفوَران الفكريّ والعمليّ الذي أطلقتْه في كلّ مناحي الحياة وإنْ وسْط مآسي الحرب العالميّة الأولى والحرب الأهليّة والتدخّل الخارجيّ.

نبدأ باستعراض المقاربات النظريّة والمذكّرات عن الثورة قيد الإنتاج، وما تضمّنتْه من اجتهاداتٍ ونقاشاتٍ في الماركسيّة حول جواز الاستيلاء على السلطة وبناء الاشتراكيّة في بلدٍ لم تنضج فيه بعدُ الرأسماليّة ولا تعمّقتْ تناقضاتُها. ننشر في هذا الصدَد موضوعات لينين عن الثورة ونصوصاً لأنطونيو غرامشي وروزا لوكسمبورغ ولليون تروتسكي عن لينين عشيّة الاستيلاء على السلطة، وصفحاتٍ لجون ريد، شاهد العيان الأميركيّ، في تحقيقه الشهير «عشرة أيّام هزّت العالم». نرفق بهذه القرارات الأولى للثورة، بما فيها قرار نشر اتفاقيّة سايكس - بيكو تنفيذاً لسياسة إلغاء الدبلوماسيّة السرّيّة والمعاهدات السرّيّة، وأولى مقرّرات الأمميّة الشيوعيّة عن فلسطين وسورية.

وقد عزّزْنا تلك الشهاداتِ بمراجعةٍ لأبرز الكتب الصادرة حديثاً عن الثورة، تقدّم ريما ماجد كتاب تشاينا مييڤيل «قصّة الثورة الروسيّة»، الذي يقارب الثورة بما هي عمليّةٌ لم تكتمل تنتظر فصولَها اللاحقة، ويناقش جلبير الأشقر كتاب أي. آي. سميث «روسيا في الثورة»، ذا المنظور اليساريّ النقديّ، والذي يعتبره الأشقر أغنى الكتب الحديثة عن الثورة وأكثرَها شموليّةً.

أفردْنا القسم الأكبر من الملفّ لإبراز الفوَرَان الذي أطلقتْه الثورة في مختلف نواحي الحياة مع تركيز خاصٍّ على تحرّر المرأة والتعليم والأدب والفنّ بأنواعها وتيّاراتها المختلفة. فقد زخر العقد الأوّل من الثورة بالتّجريب والإبداع والجموح إلى التّغيير وتطلّب الجديد في ومَضاتٍ من الحرّيّة والابتكار بل تطلّب الطوبى والمستحيل، وما لبثتْ أن أطبقتْ عليها البيروقراطيّة وحكْم الحزب الواحد ودكتاتوريّة الزعيم الأوحد.

نعرض للتّجريب والابتكار والتجديد في قضايا تحرّر المرأة مع سينثيا كريشاتي التي تعالج معاني العمل والحبّ في أفكار وممارسات أولى الشيوعيّات النسويّات. ونثبتُ تقارير ونصوصاً عن شخصيّتين نسويّتَين مميّزتَين هما ألكسندرا كولونتاي، أوّل امرأة تسلّمت منصباً وزاريّاً في العالَم، وإينيسّا آرمان، المناضلة النسويّة الأمميّة ومساعدة لينين. ويستعين عماد الدين رائف بمجموعته الغنيّة عن الملصقات النسويّة ليكتب عن الملصق النسويّ خلال الثورة. ويبني وسام سعادة على آخر الاصدارات عن دَور النساء في الثورة ليعرّفنا بالنّقاشات والخلافات داخل الحركة النسويّة ذاتها، خصوصاً عن قضايا الحبّ الحرّ ومؤسّسة الزواج، كما يناقش العلاقة الإشكاليّة بين الحزب والحركة النسويّة بصدد إشكاليّة الأولويّة: لتَحرّر المرأة العاملة أم لتحرّر المرأة المجتمعيّ الشامل.

عن شاعر الثورة فلاديمير ماياكوڤسكي نقرأ نصّاً ثميناً للراحل جون بُرجر، «ماياكوڤسكي، لغتُه وموتُه»، ويكتب سليم البيك عن آيزنشتاين وسينما الثورة. إلى هذا أعددْنا تحقيقاتٍ عن التيّارات الثقافيّة الأساسيّة الطليعيّة والمستقبليّة والبنيانيّة، التي أطلقتْها الثورة، والسياسات الثقافيّة وهمّ التجديد في فنون العمارة والكتاب والملصقات والتوليف الفوتغرافيّ والدعاية والإعلان، إلخ. أخيراً وليس آخراً، نعرض عن التجارب والابتكارات المدهشة في التعليم وعلم النفْس. أمّا الملحقُ المصوَّر فمخصّص لصوَر وملصقات وأعمالٍ فنّيّة دالّةٍ عن تلك الحقبة من الثورة الروسيّة.

في الأقسام العاديّة للمجلّة، نفتتح «من باب أولى» بثلاث دراسات تلقي أضواء متقاطعة على الاحتجاجات الشعبيّة الأخيرة في إيران، تعيّن المناطق والشرائح الاجتماعيّة المشاركة فيها ضدّ سياسة التقشّف وتَفشّي البطالة وتدَنّي مستوى المعيشة واستشراء الفساد والهدر على نفقات المغامرات الإقليميّة، تلي ذلك شهادتان لبشرى المَقطري عن مأساة المدنيّين في الحروب اليمنيّة. وإنّه لَمعبّرٌ جدّاً أنّ الاحتجاجات الإيرانيّة تزامنتْ مع موجةٍ من الاحتجاجات العربيّة تتعلّق بالقضايا إيّاها عمّت الأردن واتّخذتْ بُعداً شاملاً للمناطق التونسيّة وبلغتْ مستوىً من العنف والقمع عالياً في السودان تنذر بعَودٍ على بدءٍ للعوامل التي أطلقت انتفاضات العام ٢٠١١. ولنا عودةٌ إلى تلك التطوّرات في عددٍ مقبل. في الانتظار، يكتب عبد الفتّاح نعّوم عن إحدى تلك الاحتجاجات: انتفاضة منطقة الريف المغربيّة، وهي مثالٌ عينيٌّ على الكيفيّة التي ينقلب بها الاحتجاج على حالة حرمانٍ مناطقيٍّ إلى دعوةٍ انفصاليّة إثنيّةٍ عندما تصطدم مطالب الاحتجاج بالتعنّت السلطويّ، ومن العراق مقالٌ نقديّ لديمة ياسين عن قانون المرأة الجديد في العراق.

في «نون والقلم»، نودّع المخرجة والممثلة مريم حمّود بنشر «مذكّرات مالك الحزين»، آخر نَصٍّ خصّتْ به «بدايات» قبل وفاتها المؤسفة والمبكّرة، ويترجم خالد النجار قصائد للشاعرة التركيّة لالي ميلدور ويعرّف بها، ويكتب جمال جبران عن الروائيّ اليمنيّ عليّ المقري.

زاوية «يا عين» مخصّصة لسينما الراحل جان شمعون في دراسةٍ مستفيضةٍ للمخرج اللبنانيّ هادي زكّاك. قسم الذاكرة غنيّ في هذا العدد. يكتب رياض الريّس عن الصحافيّ والمناضل الاشتراكيّ البريطانيّ جورج أورويل، ويوثّق موسى البديري للنّقد الذاتي الذي أجبِرَ عليه القائدُ الشيوعيّ الفلسطينيّ أميل توما بسبب معارضته قرار تقسيم فلسطين العام ١٩٤٧، ويعرّف أحمد علَبي بالكاتب التقدميّ اللبنانيّ عمر الفاخوري، ونواصل نشر حلقة جديدة من مذكّرات كلٍّ من جورج البطل وجارالله عمر. في القسم الفكريّ يثير سلامة كيلة مسألة الفارق بين الماديّة الجدليّة والتصوّر الماديّ التاريخيّ، والاختلاف الدلالي بينهما، ونختم بدراسةٍ مبتكرة وغنيّة لديانا عباني عن الموسيقى في بيروت وبلاد الشام في نهاية القرن التاسع عشر.

«بدايات»

العددان ١٨-١٩ خريف ٢٠١٧ / شتاء ٢٠١٨

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.