العدد ١٦ - ٢٠١٧

في استخدامات التّصوير الفوتوغرافي

يصادف هذا العام مرور ١٥٠ سنة على ولادة التصوير الفوتوغرافيّ، وهو حدثٌ كان بمثابة ثورة في علاقة الإنسان الحديث بذاته وبالعالم. وتلتقي هذه المناسبة ورغبة أكيدة لدينا في المساهمة في تنمية «ثقافة العين» في بلادنا العربيّة التي تبدو مهمّشة بين الثّقافة الشفويّة المنحسرة ومنطقة التلفزة والفيديو المتوسّعة، وما تمليه من استكانة استهلاكيّة.

نفتتح مساهمتنا بنصٍّ يجمع كاتبين سوزان سونتاغ الأميركيّة مؤلّفة واحد من أهمّ الكتب عن التصوير الفوتوغرافيّ، يقرأها ويعلّق عليها الناقد والرّوائيّ البريطانيّ جون برجر. عن الصورة في علاقتها بالواقع وبالذّاكرة وفي استخداماتها في المجتمع الحديث تنبني هذه الدّراسة النقديّة وتختتم على إشاراتٍ نحو ممارسة جديدة للتصوير الفوتوغرافيّ تعيد إدراجه في التاريخ.

يمكننا المباشرة بطرح السّؤال: ما الذي كنّا نستخدمه بدلاً من الصورة الفوتوغرافيّة قبل اختراع آلة التصوير؟ الجواب المتوقّع هو: الحفر والرسم والتصوير الزّيتي. ولعلّ الجواب الأكثر إفصاحاً هو: الذّاكرة. فالحقيقة أنّه قبل اختراع التصوير الفوتوغرافيّ، لم يكن ثمّة ما يؤدّي الوظيفة التي يؤدّيها. ثمّ تغيّرت تجربة الماضي ذاته أو تجربة المظاهر البعيدة. فالدور الذي أخذت تؤدّيه الصور الفوتوغرافيّة الخارجيّة بالنسبة إلى المدى هو ما كان يؤدّيه الانعكاس الداخليّ في السابق.

يزداد الأمر وضوحاً إذا ما تساءلنا عن العلاقة بين المصوِّر والمصوَّر. خلافاً للصّور البصريّة الأخرى، ليس تشكّل الصورة الفوتوغرافيّة تجسيماً أو تقليداً أو حتّى تفسيراً لموضوعها، بقدر ما تشكّل أثراً من آثاره. فما من لوحة زيتيّة أو رسمة، مهما بلغت درجة التزامها بالمدرسة الطّبيعيّة، تنتسب إلى موضوعها بمثل انتساب الصور الفوتوغرافيّة.

غير أنّ حاسّة البصر عند الآدميّين أشدّ تعقيداً وانتقائيّة من عمليّة انطباع الضوء على الفيلم. ومع ذلك فالعدسة والعين بسبب من حساسيّتهما المشتركة للضّوء تلتقطان الصور بسرعة فائقة وفي إزاء حدثٍ مباشر. لكن يخطئ من يظنّ بأنّ الصورة الفوتوغرافيّة مماثلة للصورة المنطبعة على شبكيّة العين. ليست كذلك، على الرغم من أنّ علاقة هذه وتلك بالمرئيّ متشابهة من حيث تسجيلهما للأحداث ومن حيث إنّ ما تسجّلانه يمكن تسميته باللمحات الخاطفة.

وعكساً، تستطيع آلة التصوير ما لا تستطيعه العين في أنّها تثبت اللمحة الخاطفة عن حدثٍ معيّن تثبيتاً. تختطف تلك اللمحة من لجّة اللمحات وتحتفظ بها إلى الأبد، أو على الأقلّ ما دامت الصورة. إنّها تقيها من التّغيّر من منظار النّفس البشريّة. لم يكن يستطيع ذلك أيّ أمرٍ آخر قبل اختراع التصوير الفوتوغرافيّ، باستثناء ملَكة الذاكرة.

لست أعني في ذلك إطلاقاً أنّ الذاكرة منوّع من منوّعات الأفلام. فتلك مقارنة تافهة. إنّنا لن نزداد علماً عن الذّاكرة إذا ما نحن قارنّاها بالفيلم. أما عن مدى غرابة وجدّة النّسق الفوتوغرافيّ فنتعلّم الكثير. منذ اختراع التصوير الفوتوغرافيّ والمتحمّسون له يخوضون في جدالٍ يتوخّى معرفة ما إذا كان التصوير فنّاً من الفنون أو علماً من العلوم. ولعلّ فضل سوزان سونتاغ كامن في أنّها تبرهن على أنّ التصوير الفوتوغرافيّ إنّما هو أوّلاً ممارسة ميتافيزيقيّة غير مُعترَفٍ بها، على الرغم من عظيم نفوذها. وتقيم المؤلّفة البرهان على ذلك لا بزيادة الأسئلة تعقيداً وإنما باتّخاذ مسافة معيّنة تجاه موضوعها.

من تاريخ التصوير الفوتوغرافي

اخترع فوكس تابلوت آلة التصوير سنة ١٨٣٩. ولم تكد تمرّ ثلاثون سنة على اختراع تلك الآلة التي اقتصر استخدامها على النخبة، حتى صار التصوير الفوتوغرافيّ يُستخدم في سجلّات الشرطة والمراسلات الحربيّة والاستطلاعات العسكريّة والصوَر الخلاعيّة والتوثيق السمعي وألبومات الصور العائليّة والبطاقات البريديّة والدراسات الأنثروبولوجيّة (وقد رافقتْها غالباً حملات إبادة للأعراق، كما كان الحال بالنسبة إلى الهنود الحمر في الولايات المتّحدة الأميركيّة). استُخدم التصوير الفوتوغرافي في التبشير الأخلاقيّ العاطفيّ وفي التحقيقات المتلصّصة أي ما سُمّي «سينما الحقيقة» على حدّ سواء، كما في المؤثّرات الجماليّة والتحقيقات الصحافيّة وصور الشخصيّات الرسميّة. وفي سنة ١٨٨٨ نزلتْ إلى الأسواق أوّلُ آلة تصوير رخيصة الثّمن. فإذا السرعة التي بها استوعب الناس كافّة الاستخدامات الممكنة للتصوير الفوتوغرافيّ تشكّل دليلاً أكيداً على مدى تلاؤمه الأساسيّ والعميق مع الرأسماليّة الصناعيّة الحديثة. وبالمناسبة، بلغ كارل ماركس سنّ الرشد في السنة ذاتها التي شهدت اختراع آلة التصوير.

لكن كان علينا انتظار القرن العشرين وفترة ما بين الحربين العالميّتين لكي يُمسي التصوير الفوتوغرافيّ الطريقة الأكثر «طبيعيّة» والأكثر انتشاراً للتعاطي مع المظاهر، إذا حلّت محلّ الكلمة في ميدان الشهادة المباشرة عن الواقع. وهي فترة ساد فيها الاعتقاد بأنّ الصورة الفوتوغرافيّة شفّافة شفافيّة كاملة، وبأنّها تسمح بمدخلٍ مباشر إلى الواقع. كانت تلك الفترة التي عرفت كبار معلّمي التصوير الفوتوغرافيّ من أمثال بول ستراند وواكر إيفانز، فترة الازدهار لحريّة التصوير الفوتوغرافيّ في البلدان الرأسمالية، إذ انعتق من إسار الفنون الجميلة وبات واسطة عموميّة قابلة للاستخدام الديمقراطي. ولم يكن التصوير الفوتوغرافيّ، قد تحوّل بعد إلى واسطة لبناء نظام عالميّ من الأوهام الاستهلاكيّة بواسطة الصور.

غير أنّها فترة لم تطُل. فإذاً «صدْق» الأداة الفوتوغرافيّة ذاتها يشجّع على استخدامها المتعمّد للأغراض الدعائيّة. وكان النّازيون سبّاقين إلى استخدام الدعاية الفوتوغرافيّة بانتظامٍ ومنهجيّة. وفي الوقت ذاته، بدأ التصوير الفوتوغرافي عمليّة تحوّله المستترة، إلى هذا الحدّ أو ذاك، ليصير عنصراً مكوّناً من عناصر الإيديولوجيّة السائدة في كافّة أرجاء العالم الصناعي المتطوّر.

في الفترة التكوينيّة، وفّر التصوير الفوتوغرافيّ تقنيّة جديدة فكان أداةً من الأدوات. بعد ذلك، بدلاً من أن يوفّر خياراً جديداً، بات استخدامه و«قراءته» مألوفين، وبات هو ذاته عنصراً عفويّاً من عناصر الرؤية الحديثة ذاتها. وقد أسهمت تطوّراتٌ عدّة في توليد ذاك التحوّل: الصناعة السينمائيّة الوليدة، اختراع آلة التصوير خفيفة الحمل بحيث لم يعد التقاط الصور طقساً من الطقوس بل «ردّ فعل» من بين ردود الأفعال الغريزيّة، اكتشاف الصحافة المصوّرة حيث النّصّ مستتبع للصورة بدلاً من العكس، وأخيراً ظهور الإعلان التجاري بما هو قوّة جبّارة من قوى الحياة الاقتصاديّة.

في سنة ١٩٣٦ صدرت أولى المجلّات واسعة الانتشار في الولايات المتّحدة الأميركيّة. وأرهصت انطلاقة مجلّة «لايف» (الحياة) بعنصريَن سرعان ما سوف يزدهران أيّما ازدهارٍ في عصر التلفزة الذي أعقب الحرب. فالمجلّة الجديدة، كالعديد من الصحف اليوميّة قبلها، لم تكن مموّلة بواسطة مبيعاتها بل بواسطة الإعلانات التجاريّة التي كانت تنشرها. وكان ثلث عدد الصّوَر المنشورة صوراً إعلانيّة. أمّا الإرهاص الثاني فيُنبئنا به عنوان المجلّة ذاته. إنّه عنوان ملتبس قد يوحي بأنّ الصور المنشورة مستمدّة من الحياة ذاتها، إلّا أنّه كان يعِدُ بما هو أكثر من ذلك: كان يعِدُ بأنّ الصور إنّما هي الحياة ذاتها. وكان غلاف العدد الأوّل يلعب على هذا الالتباس، إذ تصدّرته صورة لمولود جديد كتب تحتها تعليق يقول: «بدأت لايف (الحياة)».

bid16_p56.jpg


سيدة العلم، 1928

bid16_p57_1.jpg


هنغاريا، 1919، أطفال يشاهدون كاميرا للمرة الأولى

bid16_p57_2.jpg


بودابست، 1956

 

الرأسماليّة والعالم المتذرّر

تبدأ الفترة الثالثة من فترات التصوير الفوتوغرافي حوالي سنة ١٩٥٠ مع الانتشار الواسع في البلدان الغنيّة للتلفزة والاستهلاك والإعلان التجاريّ والتصوير بالألوان وآلات التصوير من نمط «بولارويد» وانتعاش السياحة. فإذا مناسبات وضرورات التقاط الأفراد للصور الفوتوغرافيّة تتضاعف بوتيرة مذهلة، فيما الأنظمة التي يعيش أولئك الأفراد في ظلّها من أجهزة بيروقراطيّة ومؤسّسات دفاع وطنيّ وفروع اقتصاديّة ووسائل إعلام تزداد اتّكالاً على الصور. تنوّعت الوسائط التقنيّة والإلكترونيّة التي بها يجري التقاط الصور، إلّا أنّ نمط علاقتها بالواقع لم يتغيّر. إنّنا نعيش حياة خاصّة وعامّة في آنٍ معاً، في عالم تتكوّن كلّ نقاط الاستدلال فيه من صور متجرّدة عن المادّيّات. والذي يجعل من كتاب سوزان سونتاغ عملاً متجلّياً هو بالتحديد تحليلها الدقيق والصّارم لما يعنيه ذلك الأمر من المنظار التاريخيّ والأخلاقيّ.

- لعلّ الصور الفوتوغرافيّة هي الأقلّ غموضاً بين كافّة الأشياوات التي تتكوّن منها بيئتنا المسمّاة «حديثة» وهي تشكّل فضلاً عن ذلك لحمة عناصر تلك البيئة. فالصورة الفوتوغرافيّة هي حقّاً التجربة الملتقَطة، وآلة التصوير هي السلاح النموذجيّ للوعي في رغبته «الاستحواذيّة».

- «ليست الصور الفوتوغرافيّة مقولات عن العالم بقدر ما هي أجزاء من ذلك العالم، منمنمات من الواقع يستطيع أيّ أحد صنعها أو اقتناءها».

- «من خلال الصّور الفوتوغرافيّة يمسي العالم سلسلة من الجزئيّات المفكّكة والطّليقة، ويصير التاريخ والماضي والحاضر جملة من النّوادر والأحداث المتفرّقة. فآلة التصوير تذرّر الواقع تذريراً وتجعله مطواعاً وغامضاً في آن. هي رؤية للعالم تنفي التّداخل والاستمراريّة لكنّها تحيل كلّ لحظة من اللحظات إلى لغز من الألغاز».

- «إنّ مجتمعاً يفرض على أفراده الطموح إلى الانعتاق من الحرمان والفشل والعوَز والعذاب والخوف والمرض، والنظر إلى الموت لا بما هو قضاء طبيعي محتوم وإنّما بما هو كارثة لا يستحقّها البشر.

- إنّ مجتمعاً كهذا يولّد فضولاً استثنائياً تجاه الأحداث يجري إشباعه جزئيّاً عبر التقاط الصور الفوتوغرافيّة. فالشعور بأنّنا في مأمن من الجائحة يثير لديك الاهتمام بمشاهدة الصوَر المؤلمة، وكلّما أكثرنا من مشاهدة مثل هذه الصور تعزَّز لدينا ذلك الشعور بأنّنا في مأمن. ومردّ ذلك الإحساس أنّنا «هنا» لا «هناك» من جهة، والطابع المحتوم الذي تكتسيه الأحداث عندما تتحوّل إلى صور، من جهة ثانية. ففي العالم الحقيقي، لا «يحدث» أمرٌ ما في عالم الصور، فالأمر قد «حدث» في الماضي وسوف يتكرّر «حدوثه» إلى ما لا نهاية في المستقبل على النّحو الذي حدث فيه أصلاً».

المؤلّفة مدركة إدراكاً تامّاً لمصلحة من يجري هذا كلّه:

- «يستدعي المجتمع الرأسماليّ ثقافة قائمة على الصور. إنّه بحاجة إلى مقادير ضخمة من عمليات حرف الأنظار من أجل زيادة مبيعاته من السلع ومن أجل تخدير الجراحات الطبقيّة والعرقيّة والجنسيّة التي يسبّبها. أضف إلى ذلك أنّه مطالب بمراكمة كمّيّات غير محدودة من المعلومات لكي يستطيع التوصّل إلى الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعيّة وزيادة الإنتاجيّة والمحافظة على الأمن وشن الحروب وتوفير الوظائف للبيروقراطيّين. وإذا المؤهلات المزدوجة لآلة التصوير في شخصنتها الواقع وموضعته في آنٍ معاً تخدم هذه الحاجات وتعزّزها على أفضل وجه. فآلات التصوير تعرف الواقع بطريقتين أساسيّتين من أجل تحقيق أغراض المجتمع الصناعي المتقدّم كمشهد (في متناول الجماهير) وكأداة مراقبة (في خدمة الحكّام). ثم إنّ إنتاج الصور يبني صرح أيديولوجيّة مسيطرة تستبدل التغيير الاجتماعي بتبدّل الصور».

وتواصل سونتاغ متسائلة عن سبب طواعية التصوير الفوتوغرافي الشّديدة لمثل هذه الاستخدامات وتجيب: «لأنّه يعرض المظاهر بكلّ ما نعلّقه عادةً على المظاهر من صدقيّة وجدّيّة مبتورة عن دلالاتها المخصوصة. ولهذا يمكن تسخيره لخدمة أيّة دلالة من الدلالات تقريباً. يعلن التصوير الفوتوغرافي أنّ «الواقع» الشاغر الذي يصوّره هو برسم الإيجار، بحيث يستطيع أيّ أحد أن يستأجره ويسكنه.

ينبغي وضع «الواقع» هنا بين مزدوجين لأنّ الواقع، في حقيقته، مسار من المسارات، على أنّ التصوير الفوتوغرافي إذ يعطّل هذا المسار ويوقفه، لا يعرض علينا غير مظاهر مفرغة من أيّ معنى.

في الحياة الحقيقيّة، نجد المظاهر تغيّر الواحدةُ منها الأخرى، في كلٍّ مترابط بصريّاً. وما النّظر سوى تعريض حاسّة البصر لذلك التّداخل وتلك الشموليّة. أمّا آلة التصوير، فإنّها تقطع مسار ذلك التغيّر وتعزل المظاهر المؤطّرة الواحدة عن الأخرى. وهي إذ تنتزع الحدث من المسار الزمنيّ حيث يندرج، تعدم بالضرورة معناه. يقوم كلّ إدراك على معرفة آليّة عمل شيءٍ ما. تعمل هذه الآليّة في الزمن ولا تُفسّر إلّا فيه، ووحده الراوي يستطيع إفهامنا إيّاها». أمّا الصور الفوتوغرافيّة بذاتها فإنّها ليست تروي شيئاً. إنّها تختزن المظاهر الخاطفة. وها إنّ العادة باتت تحمينا من الصدمة التي ينطوي عليها ذلك الاختزان. فلنقارن الثانية التي يستغرقها التقاط الصورة (أيْ تعرّض الفيلم للنور المنبعث من المنظر المعنيّ) بعمر الصورة الفوتوغرافيّة التي نحصل عليها من جرّاء ذلك. ولنفترض أنّ عمر تلك الصورة لا يتجاوز العشر سنوات. هكذا تكون النسبة لصورة معاصرة هي تقريباً ١/٢٠،٠٠٠،٠٠٠،٠٠٠. فلعلّ هذا يذكّرنا بعمر الشرخ الذي تنفصل بموجبه المظاهر عن وظيفتها بواسطة آلة التصوير.

bid16_p59.jpg


مزارعون صغار، 1914

استخدامان

لا بدّ لنا من أن نميّز الآن بين استخدامين متغايرين كلّيّاً للتصوير الفوتوغرافي. ثمّة صور تنتمي إلى التجربة الشخصيّة وصور تُستخدم للأغراض العامّة. إنّ الصورة الشخصيّة صورة أمّ أو صبيّة أو صورة فريق رياضي يجري تقييمها وقراءتها في إطار هو في امتداد الإطار الذي انتزعتها الآلة منه. مهما يكن، تبقى صورةٌ كهذه محاطة بالمعنى الذي انتزعت منه. وآلة التصوير، بما هي جهاز آليّ، قد استخدمت كأداة لإحياء الذّاكرة. لقد كثّفت الصورة الفوتوغرافيّة لحظةً معيّنة من الحياة وأضفت عليها لوناً من الدَّيمومة الشخصيّة. تلك صور تمثّل دوماً ما هو معروف أصلاً.

عموماً، تتعاطى الصور الفوتوغرافيّة المستخدمة للأغراض العامّة بالمجهولات، أو بما قد عرفت به صور أخرى. إنّها تقدّم معلومة من نمط معيّن: معلومة منفصلة عن التجربة. وهي بذلك تكاد تكون شيفرة خالصة، وإذا ما كان للصورة المستخدمة للأغراض العامة انتماءٌ معيّن، فالأحرى أنّها تنتمي إلى ذاكرة ما هو أجنبيّ عنّا. هكذا تجري شخصنة الصور المستخدمة للأغراض العامّة، بما فيها الصور في إضبارات الشّرطة لأنّ كلّ صورة هي صورة حميمة. فالتّدقيق والتّأطير وتقرير المسافة التي منها سوف تلتقط الصورة قريبة كانت أم بعيدة تشير كلّها إلى حميميّةٍ ما. قد تنطوي الحميميّة على موافقة المعنيّ على التقاط صورته أو لا تحتويها، يبقى أنّ قرب آلة التصوير من موضوعها وفرادة تفحّصها له يعبّران عن تلك الحميميّة، حتّى إذا كان الأمر يتعلّق بمجرّد صورة لبرميل خشبي.

في الوقت ذاته، تبقى الصور المستخدمة للأغراض العامّة أجنبيّة في أنّها منقطعة عن التّجربة، رغم أن التّجربة ليست بغائبة عنها أصلاً، ومهما تكن السهولة التي نقرأ بها الصورة، فلحظة الحياة التي التقطتْها باتت نائية، مثل نجمة وصل نورها إلى أعيننا أخيراً. إنّ أعمال ديانا أربوس، التي تكتب عنها سوزان سونتاغ بدقّة باعثة على الإعجاب، تبيّن ثنائيّة الحميم / الغريب تلك في حدّها الأقصى. إنّها ثنائيّة تطبع كافّة الصّور العامّة المستخدَمة للأغراض التقليديّة تقريباً، ونتائجها حاسمة التأثير وإن تكن لم تنل بعدُ الاعتراف بذلك.

متعة جماليّة

تصف سوزان سونتاغ الإعجاب بغرابة الصور الفوتوغرافيّة بأنّه شعور جماليّ. أعتقد أنّ مردّ ذلك أنّها تأخذ القول الشائع: «هذه الصورة جميلة» بمعناه الحرفي، إلى هذا الحدّ أو ذاك. يستخدم النّاس كلمة «جميل» بصدد صورة فوتوغرافيّة إمّا عندما يعتبرون أنّ موضوعها كان جميلاً، وإمّا لأنّ الصورة تثيرهم شعوريّاً بطريقة أو بأخرى بسبب أنّها بين أيديهم الآن. على أنّ الكلمة مستخدمة على نحو اعتباطيّ في كلا الحالين. وليس تطلّب الحذلقة هو ما يدفعني للتشديد على هذه النقطة، بل هو أنّ قياس الفارق الجماليّ الحاسم بين لوحة زيتيّة وصورة فوتوغرافيّة هو أنّ القيمة الجماليّة للّوحة تكمن في عمليّة إنتاجها، ليست تنوجد في حالتها المكتملة وإنّما في مسار تحقّقها. إنّ اللوحات جميعاً تمثّل الزّمن مكثّفاً. فاللحظة الماثلة أمامنا قد جرى تقطيرها عبر الأيّام والشهور والسنوات الطويلة الماضية التي استغرقتها عمليّة إبداع اللوحة. إنّ الطابع الساكن للوحة الزيتيّة هو رمزٌ للحركة والتطوّر، فيما الطابع الساكن للصورة الفوتوغرافيّة ما هو إلّا المحصّلة الميكانيكيّة لعمليّة التقاطها، أي للشرح الذي تحدّثنا عنه أعلاه. وهكذا يكون للصورة الفوتوغرافيّة صفة جماليّة مثلها كمثل أيّ شيءٍ آخر، ولكنْ ما من بناءٍ جماليّ لها، خلافاً لأيّ عمل آخر من أعمال الفنّ البصري. فالمصوّرون الفوتوغرافيّون المبرّزون أقرب إلى المبشّرين الأخلاقيّين منهم إلى الفنّانين.

إنّ الصورة الفوتوغرافيّة هي إذن نظرة خاطفة، منتزعة من وظيفتها الأصليّة قد صاح بصددها غريبٌ: «انْظر!». من هو هذا الغريب؟ في كلّ الأحوال، نستطيع الجواب عن السّؤال بالقول: إنّه المصوّر، ولكن إذا ما نحن أخذنا بالاعتبار كلّ منظومة استخدامات الصور الفوتوغرافيّة، لن يعود الجواب المصوّر كافياً. ولن نستطيع الإجابة عن السؤال بالقول: «الغريب هو كلّ من يستخدم الصّور الفوتوغرافيّة»، لأنّ تلك الصور سهلة الاستخدام تحديداً لأنّها تلعب الذاكرة الغريبة كليّاً. فمن هو هذا الغريب. ومن أين جاء؟

«عين إله» علماني

هل حلّت آلة التصوير محلّ عين الله؟ والأحرى أنّها تحوّلت إلى عين إله علمانيّ ومتسامٍ. إنّ انحسار نفوذ الدين يتزامن مع ازدهار التصوير الفوتوغرافيّ. لقد علّبت الرأسماليّة الله في آلة التصوير الفوتوغرافي. ليست هذه هي الصيغة الحَرْفية التي تستخدمها سوزان سونتاغ، لكنّني أظنّها حاضرة في محاججتها.

إنّ ملَكة الذاكرة لدى البشر قد دفعتهم ذات يوم إلى التساؤل: ما دمنا نحن نستطيع أن ننقذ بعض الأحداث من النسيان، فربّما وجدت أعين غير أعيننا تشاهد وتسجّل أحداثاً كانت ستبقى لولا ذلك بلا شهود. نسب البشر تلك الأعين في الماضي إلى الأسلاف والأرواح والآلهة. في كلّ الأحوال، فإنّ ما كانت تشاهده العين فوق الطبيعة لم يكن مرّةً مفصولاً عن مبدأ العدل. كان يسهل الإفلات من عدالة البشر ولكن لم يكن بالإمكان إخفاء شيء عن تلك العدالة العلوية أو بالكاد. ولعلّ الصّلة بين الصورة والعدالة ترقى هنا أيضاً إلى اختبار الإنسان لملَكة الذاكرة الإراديّة. فالذاكرة تتضمّن ضرباً من الخلاص. الذي تحتفظ به الذّاكرة ينقَذ من العدم. أمّا ما تسلوه فقد هلَك. وإذا أمكن أن نشاهد الأحداث جميعها، فوراً وخارج الزمن، فسوف يتحوّل التّمييز بين التذكّر والنسيان إلى حكم، هو حكمٌ عادل، حيث الاعتراف يقارب التذكّر فيما الإدانة تقارب النسيان. إنّ هذا الحدس، المستمَدّ من تجربة الإنسان الأليمة والطويلة مع الزمن، سوف تلقاه في منوّعاته المختلفة، في كلّ الثقافات وكل الديانات تقريباً، وبخاصّة في الديانة المسيحيّة. في يوم الحساب، سوف يجري تذكّر كلّ ما قد حصل إلى أبد الآبدين أو نسيانه إلى أبد الآبدين.

إنّ العلمنة التي شهدها العالم الرأسماليّ في القرن التاسع عشر قد استبدلت حكم الله بحكم التاريخ وذلك باسم التقدّم. فأضحت الديمقراطيّة والعلم من أدوات ذلك الحكم. ولفترة وجيزة، كان التصوير الفوتوغرافيّ عاملاً مساعداً لهذه وذاك. وتعود سمعة التصوير الفوتوغرافيّ الأخلاقيّة، كواسطة من وسائط التعرّف على الحقيقة، إلى تلك الفترة التاريخيّة بالذات.

وحدهم المحرومون والمستضعفون، أولئك الذين تنكّر التاريخ لهم، هم الذين لا يزالون يؤمنون بحكم التاريخ في عالمنا الحاضر. أمّا العالم الصناعيّ «المتطوّر» الذي يرعبه الماضي ويغمض عينيه عن المستقبل، فإنّه يعيش في ظلّ انتهازيّة أفرغت مفهوم العدالة من كلّ صدقيّة. وهي انتهازيّة تحوّل كلّ شيء إلى مشهد: الطبيعة والتاريخ والعذاب والآخرين والجنس والسياسة. وأداتها في ذلك هي آلة التصوير الفوتوغرافيّ، إلى أن تصير العمليّة مألوفة بحيث تستطيع الذاكرة المدجّنة تأديتها تلقائيّاً.

«إنّ إحساسنا بالوضع الراهن يتمفصل الآن عبر تدخلات آلة التصوير. توحي لنا تلك الآلات دائمة الحضور، ايحاءً مقنعاً بأنّ الزمن إنما يتكوّن من أحداث مثيرة تستحقّ التصوير. وهذا بدوره، يسهّل علينا الشعور بأنّ أيّ حدث، ما إن ينطلق، ومهما يكن طابعه الأخلاقيّ، يتعيّن أن يسمح له بأن يختتم مساره كي يخلي المجال لولادة كائن آخر هو الصورة الفوتوغرافيّة. فالصورة الفوتوغرافيّة هي الباقية بعد أنقاض الحدث لكي تضفي عليه لوناً من الأبديّة (ومن الأهمّيّة) لن تكون له لولاها».

«كانت الفكرة الأصليّة عن فاعليّة الصور الفوتوغرافيّة تقوم على افتراض أنّها تمثّل صفات الأشياء الحقيقيّة. غير أنّنا بتنا نميل الآن إلى أن نضفي على الأشياء الحقيقيّة صفات الصورة».

ولمّا كانت الرأسماليّة تتنكّر لكافّة الآمال التي بشّرت بها في الماضي، نجدنا إزاء حلقة مفرغة. من هنا فوظيفة المشهد هي أن يخلق حاضراً أبديّاً من الترقّب المباشر. هكذا تفقد الذاكرة ضرورتها والجاذبيّة. والحقيقة أنّ المشهد يحلّ محلّ الذاكرة مدّة ديمومته. على خلاف الذاكرة، فآلة التصوير لا تميّز ولا تحكم. وبعبارة أخرى: إنّها تحرّر الواقع الإنسانيّ من الحاجة إلى ذاكرة. فهي تسجّل من أجل أن تنسى. وما من إله كان بمثل ذلك الاستهتار.

إنّ كافّة النقاشات والتحليلات لدور التصوير الفوتوغرافيّ في مجتمعات البحبوحة ووسائل الإعلام المعمّمة، بات عليها أن تعود إلى دراسات سوزان سونتاغ كمرجع أساسيّ من مراجعها. فهذه الدراسات تمكّننا من أن نقدّر مدى اتّكال ثقافتنا ونظامنا الاقتصاديّ على الآلات الفوتوغرافيّة، بحيث باتت الصور حواجز تنتصب باستمرار بين التجربة والواقع.

الذاكرة والسياق

هل نستطيع تصوّر وظيفة مغايرة للتصوير الفوتوغرافيّ؟ وهل ثمّة ممارسة أخرى ممكنة له؟ هذا سؤال لا يحتمل الإجابة الساذجة. ليس ثمّة اليوم ممارسة مهنيّة مختلفة (إذا كنا نفكّر في مهنة التصوير الفوتوغرافيّ). فالنظام قادر على «استيعاب» كلّ صورة أيّاً كانت. ولكن لعلّنا نستطيع البدء باستخدام الصور وفق ممارسة تتوجّه إلى مستقبل بديل ممكن. إنّ هذا المستقبل هو أملٌ نحتاج إليه حاجةً ماسّة لدعم نضالنا ومقاومتنا ضدّ المجتمعات الرأسماليّة وثقافتها. ولكن لا يمكن أن يكون أملاً عاطفيّاً غامضاً. ينبغي أن يولد ذلك الأمل ممّا هو معروفٌ لدينا. من هنا لن نستطيع اكتشاف الأمل في استخدامات مختلفة للتصوير الفوتوغرافيّ إلّا بدراسة كيفيّة توظيف الرأسمالّية لهذا التصوير في خدمة أغراضها.

يجري استخدام التصوير الفوتوغرافيّ كسلاحٍ سياسيّ تقليديّ ضدّ الرأسماليّة في عددٍ لامتناهٍ من الملصقات والصحف والمطبوعات وما شابه. لست أدعو إلى صرف النظر عن هذه المنشورات التحريضيّة أو إلى التقليل من شأنها. على أنّ الذي لا مندوحة منه هو تعريض الاستخدام التقليديّ العامّ للتصوير الفوتوغرافيّ لعمليّة نقض ودحض. ينبغي عدم الاكتفاء بتغيير وجهة ذلك الاستخدام مثلما نغيّر وجهة المدفع للتصويب على أهداف مختلفة والعمل من أجل تغيير ممارسته هي ذاتها. فكيف يمكننا استخدام التصوير الفوتوغرافيّ بحيث لا يعود يؤدّي عمله كأنّه عين لإله محايدٍ ومنزّه.

إذا ما عدنا إلى التمييز بين التصوير الفوتوغرافي الخاص والتصوير الفوتوغرافي العام، سوف نكتشف أن الفارق الأساسيّ بينهما هو الآتي: يحافظ التصوير الخاصّ على سياق اللحظة الملتقَطة بحيث تعيش الصورة الفوتوغرافيّة الخاصّة في استمراريّة دائمة. فيما الصورة الفوتوغرافيّة العامّة يجري انتزاعها من سياقها فتموت. ولأنّها ميتة، تصير مطواعة لتقبّل أيّ دلالة. في أشهر معرضٍ للصور الفوتوغرافيّة على الإطلاق، الذي جمع إدوارد ستيشن موادّه عام ١٩٥٥ تحت عنوان «عائلة الإنسان» عرضت صور من العالم أجمع كما لو أنّها تشكّل «ألبوماً» عائليّاً كونيّاً. حَدَسَ ستيشن أنّ الاستخدام الخاصّ للصّور قد يكون قدوةً لاستخدامها العام. وكان حدسه صحيحاً، إلّا أنّ النظرة التبسيطيّة إلى عالمٍ مشطور إلى طبقات كما لو أنّه عائلة واحدة حتّمت أن تكون الحصيلة، وليس بالضرورة كلّ صورة من صور المعرض، عاطفيّة ومتواطئة مع القيَم السائدة.

إنّ بداهة الصوَر، تنتظر وعياً تاريخيّاً كونيّاً يستوعبها، إذا كنّا لا نريد لها السقوط في العدم (أي في ذاكرة إله محايد ومنزّه). التصوير الفوتوغرافيّ إن هو إلّا البشارة بذاكرة تنتظر من يحقّقها اجتماعيّاً وسياسيّاً. ذاكرة سوف تستوعب كلّ صورة من صور الماضي في سياق استمراريّتها، متجاوزة التمييز بين الاستخدام الخاصّ للتصوير الفوتوغرافيّ والاستخدام العامّ. أمّا الممارسة التصويريّة المغايرة الوحيدة المتاحة الآن فهي العمل، مهما يكن ذلك العمل متواضعاً، على تمهيد الطريق أمام تلك الذاكرة. ويقوم هذا العمل على استخدام الصورة المطبوعة ووضعها في الإطار الملائم بحيث تكتسب بعضاً من الصفة المدهشة الجازمة لما «كان» ولـ«ما هو آنيّ».

ثمّة قلّة من المصوّرين العظام يتوصّلون عمليّاً إلى هذه النتيجة بمفردهم. والحقيقة أن أيّ صورة قابلة لأن تصير «آناً راهناً» مماثلاً إذا ما وفّرنا لها السياق المناسب. ويمكننا القول بشكلٍ عام إنّه كلّما كانت الصورة «جيّدة» كان السياق الذي نخلقه لها غنيّاً.

من شأن هذا السياق أن يحلّ محلّ الصورة في الزمان، لا في زمانها الأصليّ، وهو أمر مستحيل، وإنّما في زمن السّرد. هكذا يصير زمن السرد تاريخيّاً إذ يندرج في الذاكرة الجماعيّة وفي الممارسة الجماعيّة. من هنا يتعيّن، عند عمليّة بناء هذا السياق، احترامُ الذاكرة التي يسعى السياق إلى تنشيطها.

ليس من مقاربة وحيدة لما تختزنه الذاكرة. ليس المتذكّر بمثابة نهاية الخطّ لواسطة نقل ما. إنّه نقطة تقاطع والتقاء مقاربات ومثيرات عدّة. ويتعيّن على الكلمات والمقارنات والإشارات أن تخلق سياقاً مماثلاً بالنسبة إلى الصورة الفوتوغرافيّة المطبوعة، أي يتعيّن عليها أن تشير إلى مقاربات مختلفة مفتوحة على احتمالات متعدّدة. ينبغي تدعيم الصورة بواسطة نظامٍ جذريّ بحيث تمكن مشاهدتها في علاقاتها وارتباطاتها التي هي علاقات وارتباطات شخصيّة وسياسيّة واقتصاديّة ومشهديّة ويوميّة وتاريخيّة.

ثمّ إنّه ليس من وصفة جاهزة لبناء هذا النظام الجذري. ففي كتاب من الكتب تتغيّر الممارسة مع كلّ صفحة. إنّ المحاولات التي قمت بها بالاشتراك مع جان مور وسفين بلومبرغ في مؤلّفات مثل «رجل حسن الطالع» و«الرجل السابع» يمكن النظر إليها كنقطة انطلاق نحو هذا الهدف، من حيث إنّنا رفضنا استخدام الصور على طريقة أهل الحشو والإطناب. ففي العادة، يجري إخضاع الصورة للنّصّ حيث لا يبقى من وظيفة لها غير أن تكون التأكيد الحشو لمقولة معيّنة، الأمر الذي يُفقد التصوير الفوتوغرافيّ ولحظته كلّ طاقة تعبيريّة. بمعنى آخر، يجري استخدام الصورة كأنّما الماضي لم يحصل إلّا لإثبات حقيقيّة العبارة الراهنة. نسعى، على العكس من ذلك تماماً، إلى استخدام التصوير الفوتوغرافيّ ولحظته الماضية كنقطة تقاطع لدلالات متعدّدة لا بدّ لها من أن تضفي مقداراً من البُعاد على أيّ نصّ. في فرنسا، تنطلق أعمال كريس ماركر من منطلق مشابه على غير ما تماثل.

المطلوب الآن إرساء القواعد الأولى من أجل ممارسة مختلفة للتصوير الفوتوغرافيّ لكي يستطيع أن يشاركنا آخرون في الدروس التي تعلّمناها ولكي نتساعد على التطويرات اللاحقة. تفترض تلك القواعد وجود نظريّة للتصوير ليست موجودة الآن وهي لن توجد إلّا إذا سبقتْها بلورة لنظريّة عن استخدامات التصوير. فمثل هذه الاستخدامات هي المسألة الأشمل والأهمّ، لأنّها هي التي تملي ممارسة اجتماعيّة وتاريخيّة. ويعود الفضل لسوزان سونتاغ في أنّها أوّل من أدرك تلك المسألة في أبعادها المختلفة. لذا يحقّ للكاتبة أن تدّعي أن مؤلفها هو عمل جوهريّ بالقياس إلى كلّ ما كُتب عن التصوير حتّى الآن.

العدد ١٦ - ٢٠١٧

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.