العدد ١٢ صيف / خريف ٢٠١٥

قصيدة بعلبك

النسخة الورقية

‬الى وجيه غصوب

 

من «أورفيوس» الى «ماياكوفسكي»

دارت الشمسُ حول

رأسي،

تتوهّج

كتلةًًً

من ذَهَبٍ ونُور.

 

هي الألوهة الاولى،

التي انتصبتْ

من اجلها

معابدٌ من حجر،

تزورني،

وهي الاخيرة بالتأكيد.

 

بين الأنصاب

والاعمدة الاعلى منها

ادركتُ،

طفلةًً،

ان مملكتي ستكون

من هذه الحجارة

ومن لَيلها.

...

2.

أمسكني الجفافُ

من حلقي،

لن اغني،

المعبدُ

موجود، حقاً موجود،

ومدرجاته

صلدة

 

والآلهة،

كي لا يبارحنه،

رقصوا

ثم قرروا ان يموتوا…

 

خلّفوا وراءهم

شمساً

أحببناها

مع انها همجية.

 

في عتمة

الذهن

المختومة

تنمو نباتات

وتسبح أسماك،

ونحن نظن اننا نشاهد

مناظر طبيعية ونتطلّع الى

البحر.

 

لن نعرف ابداً ما اذا كان للحياة

مقلبٌ آخر،

ولكن في الالم

يكمُن

فرح ٌ

اكثر إيلاما منه،

مثلما في تصحّر

القلوب

ينطبع ختمُ

الذاكرة.

...

3.

في هذه الانحاء،

لا يتكوّن

المطر

من ماء

ولا من

ملائكة.

 

السَهل يتلوّن

بلون

الدم

اما السماء فمقفلة.

 

إن نضارة

العشبة الوحيدة

التي تريد

خرق هذا الجدار

للتوّ،

تحتفظ في داخلها

بتموّجات أنغام

«أورفيوس»،

مرآة

روحي.

...

4.

بيديّ العاريتين

قارعتُ

قوى داهمة،

فما عثرتُ إلا على

اشباه ظلال

غادرتْها كلُ مادة.

 

اننا نعيش في

ما يشبه

الامواه

والرياح

وتظل أعيادنا

احتفالية

حتى ونحن متّشحون

بالسواد.

 

مثل الآلهة،

غادَرْنا ارضا

اثقلَ

من عناقيد عِنب

في عزّ الصيف

 

غادرنا مثلما نغمض

عيون الموتى.

...

5. 
البحر

بعيدٌ،

أفقاً

من الحمّى،

تنفساً

غير مسموع،

مَغصاً في

البطن

خلال نوم

مضطرب،

يحلم بروعته الذاتية.

 

هذا المكان ليس

مكاني.

 

الفصول

وقد فقدت مبرر

وجودها،

تتأمل إضطرابات

النُور

في مناطق أفكارنا

الجدباء

المثقوبة

بالرصاص

في هذه المساحات

تحبس الروح

انفاسَها

مثل طفلٍ

فَقَدَ

أمّه

 

وانا سوف اقضي

الليل متمدّدة على

الحرارة التي

إختزنَتها.

...

6.

الجدول الجاري

تحت المعبد

هو سِلك «آريان»

الذي يقودني الى

«المينوطور»

قبل ان يغور في مزارع

القطن

 

وفي المتاهة

البلا تَهوية

كتلةٌ حيّة

تبكي

ليلَ نهار

 

لقد هجَرَته الإلهةُ،

ذلك الذي يدبّ الرعبَ

في الجزر

وسكانها.

 

أحملُ له زيتونا

ونبيذا،

لكن الإله قد

هرم،

وفيما عداي،

وحدها الريح

تعرف الطريق

الذي يلي الجزيرة العربية

ببلاد الأغريق،

الطريق الذي يشدّ افكارنا

الى هذا المكان.

...

7.

هنا الهواء جاف

والاحياء يهربون

مثل خيول جامحة

تعدو في البعيد

بين سلسلة لبنان الغربية

وسلسلة لبنان الشرقية.

 

يتمتّع العالم

بذكاءٍ تام

 

ونحن لنا

كل الاعمدة

المنتصبة

اينما كانت

لأننا الوحيدون الذين

نعتني بها.

 

عند منقلب

الجبل

يمتد

البحر الابيض المتوسط

 

ينفخ في مراكب

تخترق جسدَه

مع انه بقي على قيد الحياة

بعد قرطاجة وأفلاطون

والمتنبي،

- مثلنا

 

(هل ان هؤلاء متفردون

ام متحاورون؟

من اين لنا ان نعرف؟)

 

ما شأن الذاكرة

بين هذه الحجارة

التي تتكرر ابداً

وهي الاعتق من الخليقة؟

- وتصرّ على قول ذلك.

 

«أورفيوس»

يتنّزه في ساحة

القرية

 

لهذا، الريح

في

براءتها،

تُبعِثر

الشموسَ التي تغيب،

وتلتحق بلهاثنا

لتقودنا الى هذه الامكنة

حيث «التاريخ» و«العدم»

يمزجان

مياههما العظيمة.

...

8.

نجلس تحت

أشجار رمّان وارد

بلاد فارس

نعيش على هذه الاراضي الاقسى

من أنوية الزيتون

- عندما كان السفر متاحا.

 

على طرقات بنفسجية

او مائلة الى الصفرة،

عابرون

لا سعادة لهم إلا هذه الشمس

مع انها تتوعدهم،

إلا جوعهم المشترك،

- لأن للاحجار

اشكالا معرفية مختلفة

عن اشكالهم -

يتكلّمون عن بحر «إيجه»

كما لو انه كائن حيّ.

 

الملائكة، في عُرفِهم،

لزومُ ما لا يلزم

لأنه كان زمن…

 

ولكن الاجدى

أن لا نوقظه.

...

9.

للحفلات الماجنة

طعمُ الجنازات

 

وبينما انا اقول ذلك

تكون الارض قد قطعت

مسافات شاسعة

في الفراغ،

الفراغ الداخلي،

والفراغ الذي ندور فيه

معها.

 

كل تطهير

يوازي خطورة

ما قد طهّره

 

فأين الفرح

إذاً؟

 

الفرح عندي، انا المقيّدة،

أفقٌ

قريب جدا،

يعمي البصر.

...

10.

كان الاسد

أولَ حيوان أحببته

منحوتاً على جدار

من حجرٍ

وبَرْد

 

اما الثاني

فقد كشف لي

عُمقَ البَشَرة

المذهل،

والعطرَ الذي

تختزنه.

 

كان الحجر

في الشرق

 

اما الحُب

ففي مكان آخر.

...

11.

إحذروا

الماضي،

إنه سُمُّ

حقولنا الجافة،

 

إحذروا أعمدته،

إنها اشجار بلا

ربيع ولا شتاء،

 

يتآكلها هي ايضا

القلقُ في مواجهة

القَدَر.

...

12.

هناك، في بلاد غريبة،

سنديانات

مئوية

أنصتتْ الى

وقْع أقدام

نابليون

يعبر وادي

نهر الـ«رُون»

ليهجم

على ارض عدوّة

في اقصى الشمال.

 

كل هزيمة

هي نهاية

حياة.

...

13.

عادت الحجارة

الى حواراتها

لكي نعترف

بأن المادة

تتجاوز مداركنا…

الاشياء

هي اطفال

ظلالها

 

تسلّقوا

أدغالا جهنمية

مثل القرود،

إصعدوا القمم

 

إن جراح

الذاكرة

جراحٌ مميتة،

 

أدخلوا في

المتاهة

التي هي أنتم.

...

14.

تعقّّب «ثيسيوس» السِلك

ليتمكن من قتل المينوطور

الذي ضاجع له

زوجتَه

 

لكن السلك

إنقطع،

فحوّل

غضبه

ضد إبنه…

 

منذ ذاك الحين

يتذكره البعض

بين وقت وآخر،

لكن ذلك لا يزيده

الا موتاً.

...

15.

في بعلبك

معبدٌ لمجد

«باخوس» و«بوليناس»،

هو «قصرٌ الليل»

الذي تحرسه «جوأن كيغر»

بأشعارها 1

 

قد شاهدتهما

بعيون

طفولتي التي كانت

تجذب صغار ماسحي الأحذية

في أزقة

بيروت

فيما البحر

يتفجّر بالنُور

والقيظ.

 

كل ما اقوله ليس بجديد.

 

من تحت اقدامنا

ترتفع ذكرى

خفيفة،

لا تلبث ان تتبخّر،

ضاجةًً

او هامسةً،

لأن بلادنا

لن تلبث ان تتبدد

في

دخان.

...

16.

العمل

هندسة

لا شفاء منها

نمارسها

على أنفسنا…

 

أود ان ألقاني وسط بدايات تلك الاثار،

في نوع من جنون سائل

يتحوّل الى سماء

فوق رأسي،

في وتيرة متسارعة

لا إسم لها.

...

17.

نعم، انا في جوع الى تلك الحجارة التي

أركض بينها

في زمنٍ سابق على

ما قبل التاريخ

 

الرغبات والافكار المودعة

في الذاكرة

تنطفيء

واحدة بعد اخرى

سوف أسافر

طوال

ذلك الليل

 

دون حراك.

...

18.

صعدتُ مدرّجات

الغرانيت الوردي

ومن ذلك الارتفاع

شاهدتُ

ولادة آسيا

أعظم القارات،

 

حيث إجتمع

التاريخ واللازمني.

 

ثم

توقّف كل شيء.

 

لم يبقَ غير السماء،

قاسية، نائية، خالدة.

فجأةً

بدا ان كل شيء

صار أليفا

 

يسهم

في نظام واحد:

… لا شيء اقرب الى المقدّس

من العدم.

...

19.

الايام محبوسة

في علبة «أسپيرين».

وانا اقول لكم

اني مشرفة

على الموت،

وإن الرحلة ليست

باهرة…

 

شمسٌ تسطع

على بحيرة

العصر،

ذكريات على بسطات

السوق،

هذا ما يسمّونه

أبدية

في روزنامة الكائن،

 

في عينيّ

وردة ذابلة

...

20.

لن اعود

لاسمع غناء «إلّلا فيتزجيرالد»

ينداح فوق الاعمدة.

ولا هي سوف تعود.

...

21.

عند خط الافق

تتفتت الغيوم

الغيوم التي تتكوّن دوما

في أشكال

بشرية.

 

كيفما نظرتَ الى حياتي،

تلقاها مصنوعة

من شغف

واحد

 

دون ان يغيّر ذلك بشيء

من مصير العالم.

 

على سرير الانهار

عبارة واحدة،

تمّحي وتتكرر

باستمرار،

هكذا انبأتني

السماء.

...

22.

عندما لن يعود احد

في إنتظارنا

يبقى لنا الموت،

المخلص ابداً.

...

23.

ليست الحجرة

مغفلة لانها

مسكونة.

 

كان ثمة سنديانةٌ

في فضائي، وجدولٌ،

في هندسة مخصصة

لقدميّ الحافيتين.

...

24.

أحياناً،

يكفّ الماضي عن ان يكون

شكلا للحاضر. وتبقى مغنّيات

قتلى مدفونات

في الذاكرة.

إن المطر والدموع

يتشابهان.

...

25.

لطالما كانت سورية هي أم

الفوضى، ارضا توازي

كل الاراضي، في عيدِ التجلّي

لشمسٍ مُقبلةٍ مقطوعةِ الانفاس.

...

26.

زيتونة «دِلفيس»

قرب معبد

«سيسيون»

تتذكر النبوءة -

النبوءة التي قالت إن غب السهل

الذي يلي البحر الاحمر الى

البحر الاسود ثمة مكان آخر

للحجارة والصلوات

حيث سوف تنجح الموسيقى اخيرا

في

إزاحة السماء.

...

27.

الآثار ذخائر

ونحن أنسباؤها

- بغض النظرعن السلالة.

...

28.

طلال حيدر أقرب الى

الحقيقة مني،

ما دام ينتمي الى هذا

المكان؛

كان يلتقط القمر بين

الحجارة ويحمله الى

سريره، وهو ينحني، في هذه الايام،

ليلتقط زهرة،

فيعثر على خيط دَم.

العدد ١٢ صيف / خريف ٢٠١٥

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.