العدد ١١ - ربيع ٢٠١٥

الحق في الحلم

النسخة الورقية

في العام ١٩٤٨ وايضا في ١٩٧٦، اعلنت الامم المتحدة لائحة طويلة من حقوق الانسان. على ان الكثرة الساحقة من الانسانية لا تتمتع الآ بالحق في ان ترى وتسمع وتلتزم الصمت. ماذا لو نبدأ بممارسة الحق في الحلم الذي لم يعلن ابداً؟ ماذا لو اخذنا نهذي قليلا؟ لنشخص بانظارنا فيما يتجاوز فظائع الحاضر ونبتكر عالما آخر لا يزال قيد الإمكان:

سوف ينقّى الهواء من كل السموم عدا تلك الصادرة عن دموع الانسان وأهوائه؛

سوف تهرس الكلابُ السيارات في الشوارع؛

لن تقود السياراتُ البشرَ، ولن تبرمجهم الكومبيوترات، ولن يباعوا في السوبرماركيتات، او تراقبهم أجهزة المراقبة التلفزيونية؛

لن يكون التلفزيون اهم فرد من افراد الاسرة وسوف يعامَل مثله مثل المكواة وآلة الغسيل؛

سوف يعمل الناس ليعيشوا بدلا من ان يعيشوا ليعملوا؛

سوف يشرّع قانون يجرّم حماقة اؤلئك الذين يعيشون ليملكوا او ليكسبوا، بدلا من ان يعيشوا لمجرد ان يحيوا مثل العصفور الذي يغني دون ان يدرك انه يغني والطفل الذي يلعب دون ان يدري انه يلعب؛

ما من بلد سوف يىسجُن فيه مَن يرفض الذهاب الى الحرب. بدلا من ذلك، سوف يُسجَن من يرغب في الذهاب الى الحرب؛

لن يقيس الاقتصاديون مستويات المعيشة بواسطة مستويات الاستهلاك او نوعية الحياة بكمية الاشياء؛

سوف يقلع الطهاةُ عن الاعتقاد بأن الكركند يحبّ ان يسلَق حيّا؛

سوف يقلع المؤرخون عن الاعتقاد بأن البلدان تعشق ان تتعرّض للغزو؛

سوف يقلع السياسيون عن الاعتقاد بأن الفقراء يحبون أكل الوعود؛

لن يعود الصدق فضيلةً ولن يؤخذ احد على محمل الجد إن لم يهزأ من نفسه؛

سوف يفقد الموت والمال سحرهما، ولن تفلح النكبة او الحظ في تحويل جرذ الى نبيل؛

لن يعتبر اي كان بطلا او احمقا لأنه فعل ما يعتقد انه الصحيح بدلا من ان يفعل ما يخدمه افضل خدمة؛

سوف يشن العالم الحرب لا على الفقراء وانما على الفقر، ولن يبقَ لصناعة السلاح من بديل غير ان تعلن إفلاسها؛

لن يعود الطعام سلعة ولن تعود المواصلات تجارة، لأن الطعام والاتصالات من قبيل حقوق الانسان؛

لن يموت احد من الجوع، لأن ما احد سوف يموت من التخمة؛

لن يعامَل اولادُ الشوارع على انهم حثالة لأنه لن يعود ثمة اولاد شوارع؛

لن يعامَل اولاد الاغنياء على انهم مِن ذَهب، لأنه لن يعود ثمة اولاد اغنياء؛

لن يكون التعليم امتيازا لمن يستطيع ان يدفع؛

لن تكون الشرطة وبالا على الذين لا يستطيعون ان يدفعوا؛

العدالة والحرية، التوأمان السياميان اللذان حكم عليهما ان يعيشا منفصلين، سوف يجتمعا ويعاد توحيدهما، ظهرا الى ظهر؛

امرأة، امرأة سوداء، سوف تصير رئيسة جمهورية البرازيل، وامرأة، إمرأة سوداء اخرى سوف تصيرر رئيسة للولايات المتحدة الاميركية، وامرأة، إمرأة هندية سوف تحكم غواتيمالا واخرى البيرو؛

في الارجنتين، سوف تعتر «مجنونات ساحة ايار» قدوة في الصحة العقلية لأنهن رفضن النسيان في زمن الامنيزيا الالزامية؛

الكنيسة، امنا المقدسة، سوف تصحح الاخطاء الطباعية في الواح موسى فتأمر الوصية السادسة فيها بالاحتفال بالجسد؛

وسوف تعلن الكنيسة امرا اضافيا قد نسيه الله: عليك أن تحب الطبيعة التي اليها تنتمي؛

متأزرة بالغابات سوف تكون صحارى العالم ومكسوة بالغابات صحارى الروح؛

سوف يكرّم اليائسون ويهتدي الضالون، لأنهم يئيسوا وتاهوا بسبب سعيهم مفردين؛

سوف نكون مواطني ومعاصري جميع الذين يحنّون الى العدالة والجمال، بغض النظر عن مكان ولادتهم وسكناهم، لأن حدود الجغرافية والزمن لن يعود لها وجود؛

سوف يبقى الكمالُ الامتيازَ الممّل للآلهة، اما نحن فسوف نعيش كلَ ليلة في عالمنا الاخرق الذي تعمه الفوضى كأنما هي الليلة الاخيرة وكلَ يوم كما لو انه اليوم الاول.

رسوم نفذها خوسيه فرانسيسكو بورخيس لكتاب ادواردو غاليانو Las palabras andantes الصادر عام 1993

العدد ١١ - ربيع ٢٠١٥

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.