العدد ١١ - ربيع ٢٠١٥

قلعةٌ خارجَ السور

النسخة الورقية

 

إلى سلميّة، المدينة التي انطلق منها الفاطميون والقرامطة. تجمع كل الأضداد من الأهواء السياسية حتى أنواع التبغ.

اليوم تتكثف فيها الحالة السورية. بقيت على موقفها الأصيل من الاستبداد فشاركت بالتظاهر وحازت حصتها من الموت. وآخر ما لقيته مجزرة مروعة ارتكبتها داعش بحق العزّل في قرية المبعوجة وتوّجها النظام بالبراميل المتفجرة بعد أن ترك الأبرياء يُذبَحون كي يتاجر بدمهم.

لن أخاطبكِ بعد اليوم. أنتِ التي جعلتِ قلبي مثل خيام البدو لا يكسره الترحّل ولا الحنين.

لا هواء يقودني إلى رائحتك. والذكريات التي نثرتها كفتات الخبز لأجد طريقاً إلى يبابك، لفظت فتنتها الأخيرة واستحالت رماداً.

أيتها الجاحدة التي تستدرّ عقوقنا، هل رأيتِ غلاصمنا المتيبّسة ونحن نسبح في جسدٍ غير جسدك؟

هل شعرتِ بأظفارنا الهشّة المغروسة بعظامك؟ هل سمعتِ نحيبنا ونحن نتوسّد العواصف لنحلم بكِ؟

أكتب لأثأر منكِ وأعود من ثأري قتيلةً وقد تنازعتني الآفاق حدّ العدم.

الموت يقول إنكِ الجنة وحين أرفع أستاره أراكِ شاحبةً كالمقامرين، توزّعيننا كأوراق اللعب وتتثاءبين، تقاسمين العواصم أسرارها: قلعةٌ خارج السور.

أمراؤك المجانين المبدّدون في طرقاتك بملابسهم الموشّاة بالرّقع وأصواتهم التي تهزم اللغة والكتابة، وشعراؤك يتقلّدون حزنكِ وبشجاعة اليائس يكتبون. منذ استبدلتِ كَرْمَتك العالية بشتلات القطن وأنتِ تتمرغين بالعطش، تعقدين هدنة مع الصحراء فتكون المحاصيل شكلاً من الرمل.

يهذي بنا الجوع . نلتوي على اللغة ونعضّ الكلام. خيبتنا خيبة قرمطيّة وبكاؤنا بكاءٌ فاطميّ.

نسمع الربابة فنمتدح عائلة الكمان. نشرب العرق البلديّ فنمتدح سلالات النبيذ.

وحين تخوننا النهايات نلوذ إليك، نتلمّس عزلتنا التي غزلتِها بنَول الصدى. نرتّب الحيَل، نُجهد خيالنا لنراكِ خارج أقداركِ.

خيبةُ المطر. خيبةُ الأرض. خيبةُ الأنثى التي تلعق مدائحها النازفة.

لا تذكّرنا الأمكنة بكِ، ولا الورد. ولا ما يُذكّر الناس بأوطانهم.

نذكركِ إذ تُطيح نظرة قلوبنا فيخرّب عازفٌ بنشازه سرب الأغنية.

هاشلون على حواف المدن مذ شردتنا وانتصبتِ بأسمائنا كشاهدة قبر.

جيوب نواطيركِ تزرب ذئاباً وأنت عزلاء إلا من صدفة خلاص قد لا تأتي.

يشرعون بوّاباتك للمذبحة كي يُشهروا انتصارهم لكِ. لا تغفري لهم وأنت ترتُقين لحمكِ المتهتّك. لا تغفري لهم.

ثمّة رعيانٌ زرعوا لهباً في جوف شجرة البطم وجبال البلعاس وشاعرة تهذي بالنار. حزنكِ لا يَشِي بالفجيعة والمشيئةُ أعجز من أن تُخلّ الرهانات. تهرقين المراثي لأنهارٍ لم تحظي بها.

تهرقين الأخيلة والحبر والهواجس. أيّ مدينةٍ أرأفُ بالشّعر منك؟ أيّ مدينة تتخثّر عتباً؟ والعتب إذا تخثّر صار أغنية. والأغنية إذا تخثّرت صارت حكاية. والحكاية إذا تخثّرت صارت أنت. أكتب وأكتب لأجد اسمكِ، اسمكِ الهارب من القصيدة.

العدد ١١ - ربيع ٢٠١٥

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.