العدد السادس - صيف ٢٠١٣

المجموعات الشبابية

بعد «25 يناير»

النسخة الورقية

ظهر على الساحة المصرية ما بعد ٢٥ كانون الثاني / يناير ٢٠١١ ما يزيد على مئة مجموعة شبابية ناشطة سياسياً، تضمّ عدّة آلافٍ من الشباب المصريين. اليوم، في أواسط عام ٢٠١٣، اختفى الكثير من هذه المجموعات أو ضمرت، بينما استمر سواها.

هذه المقالة الموجزة هي جزء من محاولة مستمرة قيد الاكتمال لتوثيق عدد من أنماط المجموعات السياسية التي نشطت بشكل خاص خلال العامين ٢٠١١ و٢٠١٢. ويهدف البحث إلى توضيح نسق المبادرات التي ظهرت بعد ٢٥ كانون الثاني / يناير ٢٠١١ ومدى انتشارها، ويهدف إلى رسم خريطة الاستراتيجيات الناجحة، وتحديد أنماط المآزق والتحديات التي واجهتها. وفي مرحلة تالية من المقال، نعرض القراءات الخاصة بالأعضاء الناشطين في المجموعات الشباب لتجاربهم، وتقويمهم للأثر الذي خلّفه عملهم.

عدد المجموعات كبيرٌ جداً، كذلك إنّ تعدّد أشكال المقاربات وأنماطها لافتٌ إلى حدّ بعيد. لضرورات المساحة، يجب اعتبار المقال محاولة موجزة لإلقاء نظرة عامة على مختارات قليلة من المجموعات الشبابية، ورصد عدد بسيط من الاستراتيجيات التي اعتمدتها، فضلاً عن استعراض لمكامن القوة والتحديات التي عكستها تلك الحركات كنموذج مبتكر للفعل السياسي.

يحدّد البحث إطاراً لعمل المجموعات الشبابية التي تشكّلت ما بعد شباط / فبراير ٢٠١١ («باستثناء كل من «٦ أبريل»، «كلنا خالد سعيد»، وغيرهما من حركات أدت دوراً ريادياً في حراك كانون الثاني / يناير ٢٠١١)، أكثرية المنتسبين إليها شباب، تقوم على رؤى واستراتيجيات ونشاطات نظّر لها شبابٌ، وطوّرها وطبّقها شبابٌ أيضاً. مجدداً، لا هذه المقالة الموجزة ولا الجهد التوثيقي الإجمالي يعتبر وافياً، لكن اختيرت المجموعات المذكورة في البحث لتعرض عيّنة معبرة تستند إلى عدد من المعايير، منها نوعية المجموعة وتخصّص عملها، درجة نشاطها، مدى ظهورها، الجمهور الذي تستهدفه، انتشارها، رؤاها، استراتيجياتها المعتمدة، أثرها وتفرد مقاربتها.

نظرة عامة

ركزت مجموعات شبابية كثيرة من تلك التي تفوز بمتابعة عامة عالية، عملها على مواضيع سياسية واسعة، واشتغلت على المستويين الفردي والجماعي كحركات ضغط مركزية (بمعنى تمركز معظمها في القاهرة)، مع تركيز خاص على فعلَي الاعتصام والتظاهر. عدد قليل من المجموعات الشبابية الأكثر استدامة وانتشاراً ركّز على الحملات ذات المطلب الواحد، مثل رفض إخضاع المدنيين للمحاكمات العسكرية، «عسكر كاذبون»، و«مصرّين»، وأخيراً «تمرّد». كافة المجموعات، بلا استثناء، امتلكت فطنةً إعلامية وحضوراً قوياً على مواقع التواصل الاجتماعي، وبشكل خاص «تويتر»، و«يوتيوب»، و«بامبوزر»، و«فايسبوك». واعتمدت هذه المجموعات على مقاربات تمتاز بدرجة عالية من الإبداع والابتكار والمرونة، فاستخدمت الفن والموسيقى على نحو مكثّف وفعّال، والتشبيك الاجتماعي لنشر توثيقها وإنتاجاتها المكتوبة والمسموعة والمرئية والميدانية.

بالتوازي، انتشر في مختلف أنحاء البلد، وعلى مستوى أكثر محليّة، نشاطٌ سياسي شبابي أقل جذباً للانتباه، لكنه معبّر جداً عن روح المبادرة والتوق إلى المشاركة، إذ تشكّل عفوياً في أول أشكاله في «اللجان الشعبية»، وراوح عدد مؤيدي كل منها ما بين الآلاف وبضع عشرات. وهناك مساحة واسعة من التداخل في ما بينها على مستوى الاهتمامات والأهداف، وحتى التكتيك. وهي بتنوعها تغطّي كافة ألوان الطيف السياسي، من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.

وتتشارك المجموعات الشبابية الناشطة سياسياً في عده نقاط قوةٍ وضعفٍ، وتواجه العديد من التحديّات المشتركة، سيتم إيجازها في ختام هذه المقالة. وعموماً، فقد ناضلت هذه المجموعات في جو من التهديد والتجريم، وذلك بالإضافة إلى ضعف التنظيم ونقص الموارد والخبرة، فضلاً عن الإنهاك الشعبي والانخفاض الملموس في التأييد العام حتى حلول أحداث ٣٠ حزيران / يونيو (حملة «تمرّد»، وإسقاط الرئيس محمد مرسي). إلا أنّ عملية التعلّم من التجارب ظلت في تصاعد، واستُخلصت دروس قيّمة كثيرة اكتسبها الشباب ــ وخاصةً في ما يتعلق بالاهتمام بالتواصل مع القاعدة الشعبية، ما يمكن ملاحظته بوضوح في مبادرات مثل «تمرّد»، و«أحياء بالاسم فقط».

المشاركة الشبابية في الحياة السياسية قبل ٢٠١١

العقود الخمسة التي فصلت ما بين الانقلاب العسكري الذي عرفته مصر في عام ١٩٥٢ ومطلع الألفية الجديدة، شهدت ما يشبه الشلل في النشاط السياسي المدني المؤثر عموماً، وعلى مستوى نشاط الشباب السياسي خصوصاً. الأحزاب السياسية الرمزية القليلة التي سُمح لها بالعمل ضمن خطوط صارمة رسمها حولها النظام، سادها الجيل الأكبر سنّاً، تاركاً مساحة ضيقة إن لم تكن معدومة للمشاركة الواقعية والمتساوية مع أعضائها الشباب. فباستثناء التظاهرات الطلابية في السبعينيات، اقترن أداء أجهزة الدولة القمعية بالقواعد الاجتماعية التي لم تخضع لمساءلة، ليساهما في تقييد المشاركة السياسية الشبابية المحدودة أصلاً، فتشكل التزامهم ومستواه ومداه، في إطار من وصاية السياسيين الأكبر سنّاً.

قلّة من المنظمات غير الحكومية وفّرت فرصاً لإشراك الشباب، فأتاحت جمعيات مثل «مركز هشام مبارك للقانون»، و«مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب» و«المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» التزاماً سياسياً إلى حدّ ما أمام عدد قليل من الشباب ذوي النهج المدني.

وقد شهد مطلع الألفية بزوغ ردود أفعال شبابية على أحداث جيوسياسية، كاللجان الشبابية التي تشكّلت في عام ٢٠٠٠ دعماً للانتفاضة الفلسطينية، كما في عام ٢٠٠٣ إثر غزو العراق. كذلك، بدأت الساحة السياسية تشهد بدايات حراك شبابي أكثر تنظيماً، أظهره وعكسه بقوة تعاون الشباب مع «حركة كفاية» («شباب من أجل التغيير»). وقد مثلت تلك الحركة الجنينية دوراً حاسماً في بعث ثقافة الاحتجاج؛ إذ بدا إضراب القضاة في عام ٢٠٠٥ وإضرابات عمّال المحلّة في عام ٢٠٠٦ و٢٠٠٨، كأحداث محفّزة شديدة الأهمية ساهمت في جمع مروحة عريضة ومتنوعة من الناشطين الشباب للمرة الأولى معاً، وعرفت تلك المرحلة أيضاً بروز التدوين السياسي للمرة الأولى أيضاً (في المجال العام في ٢٠٠٥). أنتج ذلك مهارات جديدة من التشبيك والخبرة الناتجين من المشاركة بهذه الإضرابات، وقد كان لنشر المدونين لمعلومات الخاصة بالإضرابات وتجاوزات الأمن، أثر أساسي في تكوين الزخم الذي قاد إلى كانون الثاني / يناير ٢٠١١. فقبل عام ٢٠١١، كان الناشطون السياسيون الشباب يعملون إما على نحو فردي أو ضمن مجموعات صغيرة تنظّمت حول عناوين معيّنة. ولكن بعد كانون الثاني / يناير ٢٠١١، تبدّل تماماً معنى الإرادة الشبابية، من حيث قدراتها ومدى تأثيرها.

مجموعات الضغط ما قبل ٢٠١١

«حركة شباب ٦ أبريل»

ولدت «حركة شباب ٦ أبريل» مباشرة إثر إضراب المحلّة، وأطلقت رسمياً في نيسان / أبريل ٢٠٠٨. ومع الدور الفعّال الذي أدّته في الدعوة إلى التظاهر في ٢٥ كانون الثاني / يناير ٢٠١١، امتلكت الحركة قوة جذب للكثيرين، نظراً إلى عدم وجود إيديولوجية في موقفها وهدفها البسيط غير القابل للتفاوض: إسقاط النظام. نظّمت «٦ أبريل» نشاطات دورية على مستوى القاعدة نفذتها بأساليب مبتكرة: مسرح الشارع والنقاشات السياسية حول النقل العام والغرافيتي هي أمثلة عنها. وعلى الرغم من مساءلة مجموعات أخرى كثيرة لصدقية الحركة السياسية لأسباب كثيرة من ضمنها دعمها لمحمد مرسي مرشحاً للرئاسة في حملة عام ٢٠١٢ الانتخابية، إلا أنها حافظت على موقع متقدّم في الشأن العام. وقد رافقت العضوية الكثيفة التي تمتعت بها الحركة تحديّاتٌ معقّدة على مستوى لامركزية آلية صناعة القرار، وضمان آلية تشارك المعلومات بالاتجاهين: من القيادة إلى القاعدة، ومن القاعدة إلى القيادة. كذلك شكل نقص الموارد بدوره تحديّاً سلبياً. هكذا انفصلت مجموعةٌ عن الحركة نتيجةً لصراعات داخلية ارتبطت بمصادر التمويل الأجنبية ومشروعية قبولها، لتشكّل «حركة شباب ٦ أبريل – الجبهة الديمقراطية». وقد شملت التحديات الأخرى استهداف النظام وأجهزته الأمنية لها، وانعكس الصراع المركزي الحركة على الأطراف، أي المجموعات المحلية في المحافظات.

www.facebook.com/shabab6april

«كلنا خالد سعيد»

مجموعة افتراضية نشأت على «فايسبوك» في حزيران / يونيو ٢٠١٠ ردّاً على عملية القتل الوحشية التي قضى فيها الشاب خالد سعيد في الإسكندرية، فحرّكت المجموعة الرأي العام ضدها، وأطلقت حملة إلكترونية ضد وحشية رجال الشرطة، تُرجمت في وقفات شعبية في مختلف أنحاء البلاد. على هذه الصفحة، أطلقت الدعوة الأولى للتظاهر في ٢٥ كانون الثاني / يناير ٢٠١١ بعدد أعضاء فاق في أوجه مليوناً وثمانمئة ألف، وما زالت الصفحة اليوم تؤدي دوراً أقل تأثيراً في نشر المعلومات، وذلك ناتج بشكل أساسي من اتساع رقعة المبادرات الثورية وعدد صفحاتها.

www.facebook.com/ElShaheeed

مجموعات ضغط أخرى

تطول لائحة الأمثلة عن مجموعات الضغط الأخرى التي تبقى بسوادها الأعظم متمركزة الطابع من حيث الهياكل: «رابطة الشباب التقدمي»، «تحالف الشباب الثوري» (تم حلّه)، «الجبهة الوطنية للعدالة والديمقراطية»، «المصري الحرّ»، «اللوتس»، «اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة»، «حزب العمال الديمقراطيين»، «حزب الاشتراكيين الديمقراطيين المصري»، «حركة المشاركة»، «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، «حركة بداية»، «حركة الوعي»، «لجنة التنسيق لتحالف الوعي الشعبي»، «البرادعي رئيساً» المستقل (تم حلّه)، «حركة شباب العدالة والحرية»، «تيار التجديد الاشتراكي»، «اتحاد شباب الثورة»، «حزب الجبهة الديمقراطية»، «الثوريون الاشتراكيون» (منذ ما قبل ٢٠١١)، و«اتحاد شباب ماسبيرو». تستحق كل من هذه المجموعات التوقف عندها في هذا السياق، وهذا ما لا تتيحه المساحة للأسف.

شباب الأحزاب السياسية ومنطق التحالفات

واحد من التحالفات السياسية الرسمية الذي كانت الغلبة فيه للأعضاء الشباب، تشكّل خلال الإعداد لانتخابات ٢٠١١-٢٠١٢ النيابية. وقد ضم «تحالف الثورة مستمرة» إسلاميين واشتراكيين وأعضاءً سابقين في «الإخوان المسلمين»، وذلك للتمايز عن العديد من الأحزاب المنضوية ضمن تحالف «الكتلة المصرية». وقد تكوّن أعضاء «تحالف الثورة مستمرة» من «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، «الحزب الاشتراكي المصري»، «حزب التيار المصري»، «حزب الحرية المصري»، «حزب الحرية والتنمية»، «تحالف شباب الثورة»، و«حزب التحالف المصري». وارتكز برنامج عمل «تحالف الثورة مستمرة» الذي مال إلى يسار العدالة الاجتماعية، إلغاء الهوة الناتجة من تفاوت الدخل، إنهاء الفساد، وإعادة ترسيخ القانون والنظام. وقد سجّل مئة مرشح تحت سنّ الأربعين، من أصل ٢٨٠ مرشحاً للتحالف في الانتخابات. وفاز التحالف بثمانية مقاعد في برلمان عام ٢٠١٢ المنحلّ راهناً.

مجموعات عمل على قضية واحدة

تشكّلت مجموعات عديدة، إثر الانتخابات النيابية التي أجريت في ٢٠١١-٢٠١٢، وركزت عملها على رفع مستوى الوعي السياسي والتوعية إلى اللوجستيات الانتخابية والإشراف على عملية الاقتراع على مساحة الجمهورية. وكان من ضمنها: مجموعة «صوتي» (أنتجت مواد سمعية بصرية تتناول العملية الانتخابية)، مجموعة «الصحوة» (لإدارة نقاشات في مواضيع انتخابية معينة)، ومجموعة «أوتوبيس الحريّة» و«ميكروباص» (مجموعتان يستقل أعضاؤهما الباصات إلى الأماكن الشعبية لإثارة نقاشات سياسية جماعية مع سكان المناطق المهمشة)، ومجموعة «الصوت الواعي» (لإطلاق نقاشات في اللوجيستيات الانتخابية وخطورة تزوير الأصوات)، وكذلك مجموعة «احمِ صوتك» (لحث المرشّحين على توضيح مواقفهم)، وحركات «صوتك بيفرق»، «مراقبة» (مواطنون يشرفون على عملية الاقتراع)، و«تحالف حركات توعية مصر» الذي ضمّ خمسين مجموعة تعمل على نشر التوعية، بحيث تتجمّع الموارد والطاقة البشرية. وقد أوقفت معظم هذه المجموعات نشاطاتها بعد انتهاء الانتخابات.

مجموعات عمل لقضيةٍ مطلبية واحدة

تعكس المجموعات التالية استمرار الحشد الشبابي في أشكال تعبوية وفي حصد اهتمام واسع وأداء دور فعّال، وتعتبر أمثلة بارزة للأداء الشبابي في عمليتي التنسيق والتعبئة.

«لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين»

هي مجموعة ضغطٍ واسعة الانتشار وبارزة، تركّز عملها على عنوانٍ واحد ــ وضع حدّ لمحاكمة المدنيين وتوقيفهم عسكرياً ــ وقد أثبتت على مدار أكثر من عام ونصف أنها مستدامة وفاعلة. ففي العامين ٢٠١١ و٢٠١٢، احتُجز أكثر من ١٢ ألف مدنيّ مصريّ لدى القضاء العسكري، ولا يزال عدد منهم ينفّذ عقوبته في السجون العسكرية المجهولة. وقد كانت «لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين» هي المجموعة الوحيدة التي توثّق تلك الحالات منهجياً. وبالإضافة إلى حملتها المطالبة بوقف المحكمات العسكرية للمدنيين، عملت المجموعة على توفير المساعدة القانونية للمدنيين خلال جلسات التحقيق، ومتابعة القضايا المرفوعة، وتحديد مواقع المعتقلين. وكانت إحدى أبرز نقاط قوة عملها هي التوثيق المنهجي، ونشر قصص (وأرشيف) للحالات التي استدعي فيها المدنيون إلى المحاكم العسكرية، بالإضافة إلى توثيق سمعي بصري لأفراد أو عائلات أفرادٍ خضعوا للمحاكمات أو الحجز العسكريين، يحكون عنهما. وقد وثّقت المجموعة بالصوت والصورة شهادات لمعتقلين أو أهاليهم، يصفون فيها ظروف توقيفهم، الحكم في قضاياهم، أو الاعتقال (يمكن مشاهدتها عبر الرابط www.nomiltrials.com). وقد اشتهر شعار مجموعة «لا للمحاكمات العسكرية» على نطاق واسع في البلاد، وتمتعت المجموعة بحضور بارز في الصحافة المطبوعة كما في الإعلام الشبكي، افتراضياً وعلى الأرض.

«عسكر كاذبون» و«إخوان كاذبون»

تأسست أولاً «عسكر كاذبون»، وهي حملة إعلامية على مستوى القاعدة عالية الفاعلية لتفنيد السردية الرسمية لما يجري في البلاد، فلجأت إلى الأماكن العامة والميادين لتعرض فيها موادّ بصرية وسمعية متاحة للجميع، ويمكن تحميلها عن الإنترنت، وتصوّر انتهاكات القوات العسكرية لحقوق المتظاهرين. واعتمدت الحملة على مقاربة بسيطة جداً: نشر أفلام يسهل تحميلها عن الإنترنت، وتنفيذ عروض عامة لها في كافة أنحاء البلاد. وقد كانت تعرض الأفلام على شاشات تنصب مؤقتاً للغرض، أو على جدران المباني. وفي ٢٩ كانون الأول / ديسمبر ٢٠١١، عُرضت المشاهد والصور على جدار المحكمة العليا في وسط القاهرة، ونُفّذت أيضاً عروضٌ على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي (ماسبيرو). وقد استوحت المجموعة اسمها وآلية عملها من الصورة التي باتت مشهورة اليوم لامرأة تتعرّض للضرب والتعرية على أيدي الشرطة العسكرية خلال فضّ اعتصام مجلس الشعب في كانون الأول / ديسمبر ٢٠١١. تحوّلت المبادرة اليوم لتحمل اسم «إخوان كاذبون».

www.youtube.com/user/3askarKazeboon

«مُصرّين»

برزت مجموعة «مصرّين» بصفتها المخزن الرئيسي لصحافة المواطنة في ثورة مصر. وأسست مركزاً إعلامياً لا يبتغي الربح، يقع في وسط القاهرة، أدارته مجموعة صغيرة من العاملين في صناعة السينما، والمواطنين الصحافيين، والناشطين، لتوفير مساحة عمل جماعي مخصص لدعم المادة الصحافية التي ينتجها المواطنون. وقد أدت مجموعة «مصرّين» عن حق، دور مخزن الصحافة المستقلة، من حيث نشر مشاهد خام أو ممنتجة التقطها مواطنون في أحداثٍ ثورية، وكذلك المشاهد التي التقطها أعضاء «مصرّين». وقد كان لهذه المادة التي أنتجها المستخدمون من عامة النشطاء قوّة قصوى في الإفلات من الرقابة والخروج عن الرواية الرسمية المتحيّزة التي تبناها الإعلام الرسمي في أغلب الأحداث، وهي أسهمت في تمكين صوت الشارع عبر دمقرطة المادة الممنتجة وغير الممنتجة وتوفيرها على قناة «مصرّين» على «يوتيوب»، وإرفاقها بنسخٍ يمكن تحميلها على الهواتف الخلوية، بحيث يمكن نشرها بين الهواتف وسواها من الألواح الإلكترونية بواسطة «بلوتوث». وقد وفرت مجموعة «مصرّين» أيضاً التدريب، والدعم التقني، والمعدّات، ومكتبة. وسجّلت المجموعة شهادات ضحايا التعذيب، ضحايا المحاكمات العسكرية، عائلات الشهداء، وشهادات أخرى ذات صلة بالثورة.

وكانت مجموعة «مصرّين» وراء المبادرة السينمائية في «ميدان التحرير» التي لاقت نجاحاً واسعاً؛ اذ عُرضت خلالها مشاهد من الثورة لم يسبق عرضها التقطها مواطنون، على شاشة مؤقتة استحدثت خصيصاً فوق رصيف في الميدان. وعند اندلاع العنف إثر فضّ اعتصام البرلمان في تشرين الثاني / نوفمبر ٢٠١٢ (معركة مجلس الشعب)، قفز عدد المشاهدات على قناة «مصرّين» على موقع «يوتيوب» من مئة ألفٍ إلى مليونين وأربعمئة وستين ألفاً، ما يدلّ على الإقبال المتزايد على منتجات المجموعة كمصدر بديل ومستقل للمعلومات.

«مصرّين» على «فايسبوك» و«يوتيوب»:

www.facebook.com/pages/Tahrir-Cinema-

www.youtube.com/user/Mosireen/featured

«أحياء بالاسم فقط»

مجموعةٌ ناشطة جداً تشكّلت من بنات أفكار لجنة الطلاب في «حزب التحالف الشعبي الاشتراكي»، وتركّز عملها على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية. وهي مثالٌ جيّد عن نجاح مجموعة شبابية في العمل على المطالب الشعبية، وعلى مستوى القاعدة. وقد سجّلت المجموعة نشاطاً لافتاً في منطقة «رملة بولاق» وهي عشوائية في قلب القاهرة، تتاخم الأبراج المترفة على كورنيش النيل؛ إذ شهدت «رملة بولاق» مواجهات عنيفة في مطلع آب / أغسطس ٢٠١٢، تلتها حملة تهديد وخطف واعتقالٍ ليليّ للسكان من منازلهم، لا تزال مستمرة حتى اليوم. وقد عمل فريق «أحياء بالاسم فقط» على الأرض في «رملة بولاق» منذ ما قبل أحداث آب / أغسطس ٢٠١٢، واكتسب صدقية عالية بين السكان، وامتدّ نشاطه راهناً إلى مناطق فقيرة حضرية أخرى أيضاً.

www.facebook.com/AhyaBelesmFqt/info

المجموعات المعنية بقضايا النساء

شهدت البلاد في المرحلة التي تلت ٢٥ يناير ارتفاعاً حادّاً في نسبة التحرّش الجنسي بالنساء في المجال العام. وقد ساهم استمرار غياب الشرطة في الأحداث الوطنية والمحلية بشكل واضح في ازدياد التحرّش الجنسي، وظهرت أدلّة على وجود حملات تحرّش جنسيّ تنظّمها أجهزة الدولة ضد المتظاهرات لثنيهن عن المشاركة في التظاهر. وقد اهتمت منظمات مترسّخة مثل «نظرة للدراسات النسوية»، بالتصدي بفاعلية لمسألتي مشاركة النساء بالسياسة والتحرّش الجنسي (ضمن نشاطات أخرى كثيرة). وظهرت مجموعات أخرى كثيرة، أقل ترسّخاً، وابتكرت على مستوى مكافحة التحرّش الجنسي أساليب عملٍ ميدانية وتعبوية مختلفة.

«بهيّة يا مصر» هي مجموعة تأسست في عام ٢٠١٢ لمراقبة عمل المجالس التمثيلية والتشريعية في ما يخص النساء. وقد أطلقت لهذا الغرض مشروع غرافيتي وأنتجت أفلاماً توعوية، بالإضافة إلى حملة بعنوان «حقّي» وأخرى بعنوان «ما تصنّفنيش».

www.facebook.com/BaheyaYaMasr

أما «خريطة التحرّش»، فقد جمعت المعلومات من القاعدة الشعبية عن حالات التحرّش في مصر، وتلقت البلاغات عن حالات التحرّش عبر الإنترنت أو الرسائل الخلوية، وحافظت على السريّة الشخصية للمتصلات. وقد زاد تاثير المجموعة التي تأسست في عام ٢٠١٠، مع ازدياد التحرّش الجنسي في العامين ٢٠١١-٢٠١٢... وبالإضافة إلى كشفها لحالات التحرّش وما رافقها من معلومات مفيدة أمام الرأي العام، وفّرت «خريطة التحرّش» مجموعة من الخدمات (كيفية تسجيل بلاغ لدى الشرطة، المساعدة القانونية والنفسية، الدفاع عن النفس، إلخ) التي تعتبر ضرورية في التعامل مع كل حالة تحرّش.

harassmap.org

تأسست «كتائب الموناليزا» في شباط / فبراير ٢٠١٢، وهي مجموعة فضفاضة مكوّنة من فنانين ومن راسمي الغرافيتي يستهدف عملها الأحياء غير الشرعية (العشوائيات). وحدّدت من ضمن أهدافها توعية السكان على المسائل السياسية بواسطة الفن. في صيف عام ٢٠١٢، أنتجت المجموعة سلسلة صورٍ من فنّ الشارع تعالج مسألتي التحرّش الجنسي ومشاركة النساء في الحياة السياسية. وعملت مثل المجموعات الأخرى التي تهدف إلى نشر التوعية بواسطة الفن، على التقاط الصور الفوتوغرافية ونشرها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

www.facebook.com/kta2eb.monalisa?sk=info

«قوّة ضد التحرّش/الاعتداء الجنسي الجماعي» هي واحدة من المجموعات العديدة («بنات مصر خطّ أحمر»، «التحرير بودي غارد»)، تأسست لتنظيم آلية مكافحة التحرّش الجنسي. وقد أنشئت في «التحرير» في مطلع عام ٢٠١٢ ردّاً على الاعتداءات الجنسية الجماعية والهجمات المنظّمة على المتظاهرات، وتكونت من مجموعة متطوعة من النساء والرجال، وأمّنت دوريات تتدخّل لوقف الاعتداءات الجماعية على النساء خلال التظاهرات، وتوفّر الحماية والدعم الطبّي والقانوني والنفسي الفوري في مواقع التظاهر، كذلك تنقل طلبات المساعدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي للمتطوعين المدرّبين على التعامل مع هذه المواقف على الأرض. وتقوم كذلك بالتوعية على التحرّش، وقد أطلقت في هذا الإطار خطّاً ساخناً لخدماتها.

الغرافيتي

اجتاح الغرافيتي الاحتجاجي أرجاء مصر منذ يناير ٢٠١١، كوسيلة للتعبير الفني اعتمدها الشباب المسيّس للتعبير عن أفكاره. وهي ليست مجموعة منظّمة، إلا أن الظاهرة تستحق الإشارة إليها نتيجة الانتشار الواسع لاستخدام الغرافيتي السياسي في البلاد، ولما أنتجته من تعاون غير مألوف سابقاً بينها وبين العالم الافتراضي. فقد نشر فنانو غرافيتي الشباب رسوماً من تصميمهم، نفّذوها بالرصاص لكي يسهل تحميلها، تعلّق مباشرة على الأحداث الراهنة، مع روابط لها على صفحات التواصل الاجتماعي («تويتر» و «فايسبوك» مثلاً) مرفقة بفيديوات توضّح كيفية طباعتها وقصّها ورشّها على الجدران. وكحال مبادرة «عسكر كاذبون»، جمع الشباب المواد ونشروها في مختلف أنحاء مصر (من دون سابق تجربة مع الغرافيتي)، بحيث يظهر الفن الاعتراضي في كل مكان.

www.scribd.com/doc/77577801/Zeftawi-Stencils-Booklet

«تمرّد»

نشأت حركة «تمرّد» أساساً على يد خمسة ناشطين مسلّحين بحواسيبهم المحمولة وهواتفهم الخلوية فحسب، نجحوا في إطلاق عريضة شعبية ضدّ محمد مرسي انتشرت في مختلف أنحاء البلاد، ويُزعم أنها جمعت نحو ٢٢ مليون توقيع في غضون شهرين. يُعرف الكثير عن المتحدث الرسمي باسم الحركة؛ محمد بدر، البالغ من العمر ٢٨ عاماً. بدر هو صاحب مسيرة في الصحافة والإنتاج الإعلامي، وكان منسقاً لحركة «كفاية» المعارضة لحكم مبارك التي كانت صاحبة شعبية كبيرة في الشارع المصري. وكان بدر أيضاً عضواً في «الجمعية الوطنية للتغيير» التي يرأسها محمد البرادعي. وحتى كتابة هذه السطور، كان حجم ومدى انخراط ودعم قوى خارجية في حركة «تمرد» غير واضح. وقد رُوِّج أنّ فاعلين وافدين من مرحلة ما قبل ثورة ٢٥ يناير قد تلاعبوا بالحركة، من أجهزة أمنية حكومية، وأنصار مبارك والجيش ومروحة من الأحزاب السياسية ورجال أعمال بارزين. غير أنّ المتحدث باسم الحركة يستنكر جميع الأنباء التي تشير إلى أنه هو شخصياً أو حركة «تمرّد» تمّ تحريكهم على يد قوى سرية. وبحسب بدر، «قد تكون بعض المجموعات قد قفزت إلى قطار حركته، غير أنّ تمرّد ظلّت وحدها صاحبة القيادة». لدى الحركة خطاب ناصري واضح وصريح في انتقاد ما ترى أنه تدخّل أميركي في الشؤون المصرية الداخلية.

مجموعات الأحياء والعمل على
مستوى القاعدة: اللجان الشعبية

في أحد أكثر التطوّرات انتشاراً وثراءً في مرحلة ما بعد يناير ٢٠١١ في مصر، أتى التشكّل العفوي للجان (الشعبية) في الأحياء، على امتداد البلاد. تلك المجموعات التي تعرّف بها الجغرافيا أو الموقع، انبثقت من المجالس المحلية، أو مجموعات الحراسة التي شكّلها المواطنون عفوياً عندما انسحبت الشرطة من كافة شوارع مصر في ٢٨ كانون الثاني / يناير ٢٠١١. مع مرور الوقت، ومع غياب الإدارة المحلية، نما عمل مجموعات المواطنين هذه من تلبية الحاجات الأمنية الملحّة إلى إدارة الخدمات من جمع القمامة مثلاً إلى إثارة مواضيع محلية علّقتها الدولة منذ زمنٍ في الانتظار. تشمل الأمثلة عن اللجان الشعبية مناطق الفيّوم، العمرانية، بولاق أبو العلا، حلوان، والإسكندرية. ومن الأمثلة على المبادرات المبتكرة التي سجّلتها بعض اللجان، يُذكر تسجيل نقاشات توعوية سياسية وبثها إلى منازل في الأحياء عبر مفاتيح التشفير الفضائي المحلي («تلفزيون الحارة» في العمرانية)، ومبادرة حلّت مبكراً لجذب انتباه الإدارة المحلية على جمع القمامة؛ إذ دعت السكّان إلى إلقاء أكياس قمامتهم المنزلية أمام بيت المحافظ (في الإسكندرية)، ما دفع السلطات المحلية إلى توفير حلّ سريع للمشكلة. وفي مبادرة إسكندرية أخرى، وُفِّرت الحماية لعائلات المتظاهرين الذين قُتلوا أو جُرحوا؛ إذ تعرّضت العائلات لضغوط القوات الأمنية الهادفة إلى ثنيها عن الإدلاء بالشهادة ضدها، وذلك من خلال تسجيل تقنيات الترهيب بالصوت والصورة وعرضها جماهيرياً على اللوحات الإعلانية في وسط البلد في الإسكندرية، بالإضافة إلى توفير الحماية الجسدية للعائلات.

ولأن اللجان الشعبية متجذّرة كلٌّ في حيّها، امتلكت نشاطاتها ورسائلها صدقية وشرعية عاليتين. الزخم، في آن واحد، محفّزٌ شبابياً ومُدارٌ شبابياً. ومعظم اللجان الشعبية لا ينضوي تحت أي لواء سياسي. وقد حارب «الإخوان المسلمون» لجاناً شعبية كثيرة؛ لأن «الجماعة» حتى الساعة تسيطر على الخدمات الاجتماعية على مستوى القاعدة. من المفيد هنا ذكر دراسةٍ تستحق المراجعة أجرتها آسيا محيي عن التحديّات التي واجهت مجموعة مختارة من أربع لجان.

مجموعات أخرى

«سلفيو الكوستا»

«سلفيو الكوستا» هي مجموعة صغيرة نسبياً تدعو للتعايش، أسّسها سلفيّون شباب، وهي تستخدم مقاربات مبتكرة لخلق مساحة تتيح الحوار. تشكّلت «سلفيّو الكوستا» من إسلاميين وليبراليين، ومن بعض الأقباط، يلتقون على دعم التعايش ونبذ المنظور المتشدّد، وقد أطلقت المجموعة صفحة على «فايسبوك» جمعت في وقت من الأوقات عشرين ألف منتسبٍ افتراضي. تعتمد المجموعة أساساً على الفكاهة في نشر رسالتها. وقد تصدّر اسمها الأخبار يوم أنتجت فيلماً قصيراً على «يوتيوب» اسمه «أين أذني؟»، في إشارة إلى جريمة الكراهية التي شهدتها قنا في الصعيد المصري عام ٢٠١١، حيث خطف سلفيون رجلاً مسيحياً وقطعوا أذنه. فيلمان فكاهيان آخران فازا بمشاهدة كثيفة على «يوتيوب» هما: «أين محلي؟» و«أين بطيخي؟»، وهما أيضاً يركّزان على التعاون والتشابه ما بين الجماعات. «ده مش طبيعي» هي مبادرة أخرى أطلقتها المجموعة تظهّر المشاكل الاجتماعية التي يعانيها الشعب في الحياة اليومية، وقد بات يُنظر إليها على أنها «طبيعية». وعلى الرغم من صغر حجمها، إلا أن المجموعة أدّت دوراً بنّاءً في اعتصام تموز / يوليو ٢٠١١.

الألتراس (جمهور كرة القدم)

هذه الكوكبة من جمهور كرة القدم الملتزم بتشجيع فريقه أدّت دوراً بارزاً في معارك الشوارع في ٢٥ كانون الثاني / يناير، وباتت منذ ذلك الحين معنيّة بعمق في سياسة الشارع المحلية، وقد شاركت بانتظام في التظاهرات والمواجهات مع قوات الأمن في الأعوام ٢٠١١ و٢٠١٢ و٢٠١٣. في شباط / فبراير ٢٠١٢، تعرّض «ألتراس» فريق «الأهلي» لهجوم في مباراة في بورسعيد سبّب مقتل ٧٤ شخصاً (طعناً، خنقاً، شنقاً ودوساً بالأقدام)، وجرح المئات في ما بات يعرف باسم «مجزرة بورسعيد». المحاكمة التي خضع لها عناصر الأمن التابعون لوزارة الداخلية والموكلة إليهم مهمة حماية المباراة، انتهت (في مطلع أيلول / سبتمبر ٢٠١٢) بتبرئة جميع الرسميين من جميع التهم الموجّهة إليهم.

ضغط جمهور «الألتراس» لمقاضاة المسؤولين عن كارثة بورسعيد، وهو مطلب التفّت حوله مجموعات سياسية عديدة. ولـ«الألتراس» حضورٌ يلفت الأنظار في الشارع، وهو يكون بارزاً في التظاهرات والاعتصامات، تتابعه وسائل الإعلام بانتظام. ولا تزال إمكانية اهتمامهم بمواضيع سياسية أخرى موضع جدل.

نقاط القوة والتحديات

بشكل عام، بعد ٢٥ يناير، امتازت المجموعات الشبابية بمستوى رفيع من الإبداع، المرونة، الكفاءات والموهبة، الشجاعة، الالتزام والعزم العميقين، ومهارة عالية في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي (وأدوات أخرى كثيرة) بطرقٍ مبتكرة. إلى نقاط القوة هذه، تُضاف الصدقية وغياب الانتماء الحزبي.

أما التحديّات التي واجهها الشباب، فتتضمن ضعف التنظيم، نقص الرؤية وقلّة الموارد، ضعف التنسيق ما بين المجموعات (كان ذلك تحديّاً واقعياً جداً في مرحلة مبكرة)، والانشقاق لأسباب إيديولوجية. كذلك إن مجموعات كثيرة تتمركز في المدينة. وشكّل استمرار النظام القديم تحديّاً صعباً لا يزال حاضراً حتى وقت كتابة هذه السطور، وكذلك حال التهديد والاعتقال (مع أن نسبتهما انخفضت في زمن كتابة هذه السطور)، والبروباغندا المعادية للناشطين، والعمل التطوعي، والجذريّة، والخطاب غير الديمقراطي الذي ساد الحياة السياسية، جميعها عوامل أدّت إلى إنهاك هذه المجموعات و/أو خسارتها للصدقية الشعبية. وسبّب غياب القيادة السياسية الملائمة عن المعارضة والمشهد السياسي، إحباطاً عميقاً ولّد إحساساً بين كثيرين بتضييع الفرص.

نقاط أخرى

ردّ الفعل في مقابل الفعل
على مستوى الأولويات

الإجراءات التي اتخذها الطاقم السياسي بأكمله، بما في ذلك المجموعات الشبابية كما «المجلس الأعلى للقوات المسلحة»، ما بين العامين ٢٠١١-٢٠١٢ وما تلاها من تشكيل لحكومة «الإخوان المسلمين» (يوليو/ تموز ٢٠١٢ – تموز / يوليو ٢٠١٣)، وُسمت بطابع شديد الانفعالية؛ إذ تفوقت الأحداث المتتالية على الرؤى والاستراتيجيات المخطط لها. لأسباب يمكن فهمها، تشوّش انتباه المجموعات الشبابية. مشاركاتهم في الاعتصامات والتظاهرات، وما تلاها من إصابات تعرّض الناشطون لها ورعايتهم لسواهم من جرحى المتظاهرين، وكذلك تنسيقهم للبيانات وردود الفعل على الأحداث، عوامل أدّت إلى تقديم ردّ الفعل في سياق أولويات محدّدة سابقاً. مجدداً، لا بد من التذكير بأنّ تلك كانت حال جميع اللاعبين على كافة مستويات الساحة السياسية.

الإنهاك والجذرية

ساهمت طبيعة الأحداث القاسية وتواترها في تشكيل إنهاك وطني جماعي، فأدّت الحرب الإعلامية التي شنّتها الدولة، والاعتقالات، والمحاكمات العسكرية، وتجريم المتظاهرين، دوراً في إحلال هذا الإنهاك قبل الحركة التي أطلقتها «تمرّد»؛ إذ شهدت تلك المرحلة انخفاضاً ملموساً في الدعم الشعبي للتظاهرات.

من المهمّ جداً التوقف عند التهديدات المباشرة وغير المباشرة التي تلقاها العديد من الناشطين الشباب، بالإضافة إلى عمليات الخطف المتكرّرة الموثّقة – والأسوأ منها – التي تعرّض لها الناشطون والمتطوعون من أفراد الجسم الطبي، وكذلك التهديدات والتوقيفات التي تعرّض لها الجرحى من المتظاهرين عند تسريحهم من المستشفيات. حملات تشويه الصورة والتحريض على «البلطجية» عموماً (بعدما سُمّي المشاركون في الاعتصامات «بلطجية»)، هي من التكتيكات التي اعتمدها الإعلام التقليدي ضدهم، بالتزامن مع حملات إلكترونية شبيهة شهدها موقعا «فايسبوك» و«تويتر».

خسارة الزخم خلال عام ٢٠١٢

انحسار الخيارات الرئاسية في المرشح الإسلامي من جهة وحليف مبارك من الجهة الأخرى، وانتخاب مرشح «الإخوان المسلمين» بالنتيجة، ساهما بنشر إحساسٍ بخيبة الأمل وانعدام الجدوى بين ناشطي المجتمع المدني. وأدّى توسّع المجموعات الإسلامية على اختلاف مشاربها في الحياة المدنية والسياسية إلى استقطاب وجهات النظر وإرساء إحساس بالفشل بين المجموعات العلمانية. انتخاب مجلس شعب بأكثرية إسلامية، كتابة الدستور الجديد في هيئة تأسيسية يسودها الإسلاميون، ورئاسة مرسي، هي عوامل أدّت إلى حدّ كبير في ترويج نوع من اليأس بين مروحة كبيرة من الناشطين الشباب.

الانبعاث

في ٣٠ حزيران / يونيو، بعثت حركة «تمرّد» حركة الاعتراض الشعبي في الشارع من جديد وعلى نطاق هائل الاتساع، مجدّدة تفاؤل كثيرين من ناحية، ومثيرة قلق آخرين تجاه النيات العسكرية من ناحية أخرى. بعد عزل الرئيس مرسي، غدت المجموعات أشد استقطاباً وجذريةً، وبات اختلاف وجهات النظر الاستراتيجيات المعتمدة أشد تطرّفاً. ستكون لنقطة التحوّل المحورية هذه تبعات كبرى على الاتجاه الذي سيسلكه البلد والثورة خلال الشهور والسنوات المقبلة.

الخاتمة

يشهد العدد الهائل من المجموعات التي ظهرت على الساحة بعد ٢٥ كانون الثاني / يناير ٢٠١١ على إرادة صلبة يبديها عدد كبير من الشباب المصريين لأن يكونوا شركاء في إحداث التغييرات السياسية في البلاد، بواسطة مروحة واسعة من الاستراتيجيات والمقاربات. استخدم الكثير من هذه المجموعات تكتيكات عمل إبداعية، وابدوا روحاً مرنة وابتكاراً إلى أقصى حدّ في استخدامهم لمختلف المقاربات، وأسسوا لدرجات عالية من الانتشار والتفاعلية. هناك دروسٌ عملية كثيرة جرى تعلّمها وتطبيقها خلال هاتين السنتين ونصف السنة التي تلت خلع مبارك، لا يمكنها أن تضيع هباءً، وستستمر كمورد للفعل والزخم بين الأجيال الشابة لعقود.

شكر

أشكر كل من قابلته لإنجاز هذا البحث – عددهم أكبر من أن أذكرهم بالاسم هنا – وأخصّ بالشكر دينا الخواجة، ومنى فتح الباب، وحنين حنفي على آرائهم القيّمة التي منحوني إياها بكل كرم.

  • نكث الوعود: حكّام مصر العسكريون يقوّضون حقوق الإنسان. منظمة العفو الدولية
  • www.amnesty.org/en/library/info/x
  • شحاتة، دينا. عودة السياسة: الحركات الاحتجاجية الجديدة في مصر. القاهرة: مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١٠.
  • شحاتة، دينا. الحركات الشبابية وثورة ٢٥ يناير. القاهرة: مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، ٢٠١١.
العدد السادس - صيف ٢٠١٣
بعد «25 يناير»

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.