العدد الثاني - صيف ٢٠١٢

هي دي الثورة!

النسخة الورقية

أنا إسمي رشا العزب، أنا صحفيه وبشتغل في السياسه من سنة ٢٠٠٠ وعمري ٢٩ سنه.

في تمانيه وتسعين كنت أنا في ثانويه عامه وكان في حرب أمريكا على العراق وأنا كنت طالبة ثانوي، فقررنا نعمل مظاهره داخل المدرسه ووزعنا منشورات وعملنا علم أمريكا وحرقناه. وبعد كده أنا تأبض عليا في المدرسه ودي تبأى أول مره يتئبض عليا في حياتي، ودخلوني الكنتين وكنت مبسوطه طبعًا. وبعد كده دخلت الجامعه وكانت بداية الانتفاضه الفلسطينيه وطبعًا كانت دي أول مظاهرات تحصل في مصر من التمانينات. في ٢٠٠٣ نزلت من البيت، أصحابي تجمعوا عندي، ونزلنا مع بعض وركبنا المترو، وبئينا بننزل في كل عربية مترو نقول فيها إن إحنا رايحين التحرير. كل محطه بنغير عربيه وبنقول نفس الكلام وكل محطه بنغير العربيه بنقول نفس الكلام لحد ما نزلنا التحرير. وكان عشرين مارس ودا كان أول احتلال للتحرير من السبعينات.

كان في شوية حاجات بتتعمل حوالي, التحضير لكيان موحد، يضم كل الناس اللي طلعت من الشغل بتاع الانتفاضه وضرب العراق، فكان الكلام على فكرة «كفايه». كان التعامل أول اجتماع «كفايه» كان في «جمعية الصعيد» كان في رمضان اعتقد. أنا حضرتو، ناس كتير كتير اتفقت على ان يبأى في كيان موحد يضم الناس دي ويشتغل على الأوضاع الداخليه ودي كانت أول مره الناس تتكلم على مصر. إبتدت مظاهرات «كفايه» في ٢٠٠٥ بعد المظاهره الاولى التي نشأت في ٢٠٠٤، كانت بتتكلم بشكل واضح وصريح «لا للتمديد. لا للتوريث» ... بشكل قاطع. «كفايه» كانت حركه فيها ميزه رئيسية جدًا، انها كانت حركه واسعه وفي نفس الوقت مفيهاش المركزيه وقويه عشان ما كانش في فالحقيقه قيادات.

وكان كمان في حركه في المحافظات واسعه حوالي, مشاكل الاصلاح الزراعي، ودي كانت لافته جدًا في الفتره دي. في الفتره دي كان في تلات قرى عملوا انتفاضات شبه كامله ضد عودة الاقطاع اللي تحالف مره اخرى مع الشرطه علشان يسرق أرض الفلاحين اللي داروا المصلحه الزراعيه من الخمسينات. «الستوري» (القصه) الرئيسيه اللي كانت رمز للمرحله دي هي «سيرندو» في (محافظة) «البحيره». «سيرندو» في «البحيره» كانت انتفاضه ضخمه جدًا جدًا ضد الاقطاع ونزلت الشرطه قبضت على كل الناس وبقية الرجاله هربوا. إحنا رحنا المدينه، قصدي القريه، بلا رجال، كل الي كان باقي منا ستات. لما الشرطه جات مره تانيه علشان تقبض على الناس اللي في القريه ما لئتش رجّاله فراحت قابضه على الستات، وقبضت على عدد كبير من الستات ومنهم «مركبي». «مركبي» إتقال كتير عن تعذيبها في قسم الشرطه وانها علّقت من ضفايرها وماتت واتدفنت بالسر باليل كمان! فالحادثه دي كانت حادثه ضخمه جدًا جدًا جدًا اشتغلنا عليها بكل ما نملك من قوى.

بعد السجن مش زي قبله

السجن كان عالم مختلف تمامًا عن الحاجات الي بنشوفها في الأفلام والتلفزيون وفالحقيقه السجن حاله خاصه، حاله انسانيه خاصه جدًا واعتقد اننا يمكن بأرّخ لتجربتي السياسيه قبل وبعد السجن، لأن قبل السجن كانت الامور شويه فيها أحلام وفيها تجاوز لفكرة العقبات اللي ممكن تحصلك وانت في السجن. أنا ما كنتش خايفه من السجن ليه؟ كنت قلقانه من الممكن يحصل في السجن، بس احنا تعاملنا معامله خاصه في الحقيقه، مش من ادارة السجن، من الساجنات... الساجنات كانوا مستقدعينا جدًا، ففي واحده ضحت لنا بالبكيه بتعتها، فنيمتنا أنا وأسماء على سرير ونيّمت ندى على سرير وظبّطنا الحال وكان في حالة كده إحتضان من العنبر مش طبيعيه. الفكره انو في أول اسبوع كان في أول محوّله لسجينه جنائيه للاعتصام، طلعت فوق مبنى المستشفى وقالت أنا لو ما تعالجت كويس في المستشفى، لأن المستشفى ما كانت مستشفى، كانت يعني ساخنه يعني زي القسم يعني، كانت الدكتوره بتجري ورا المرضى والله العظيم.

انا حبدأ شويه من قبل ٢٥ يناير من ٢٠ يعني، يوم ١٤ يناير، يوم ما بن علي هرب، كنت أنا في الشارع مشتريه حاجات انا وصحابي وأنا ماعرفتش الخبر. حدّ من صحابي كلمني وقللي الخبر فمكنتش مسدئه وكنت ماشيه بقول للناس في الشارع «بن علي هرب! يعني أول رئيس عربي يهرب بعد ثوره شعبيه في بلدو!» فالناس بتبُصلّي كده، ببلاهه شديده جدًا يعني. فواحد بسألني «مين بن علي؟» فأنا بَقُلّو، فراح قايل: «بس دا الي عندنا عمرو ما حيمشي يعني.» كان في خطاب مبارك التاني اللي هو [يوم] التلات إلهو إللي قسّم الناس. وفي ناس شافت انو الراجل عمل اللي عليه وكده كويس أوي وبعد كده لازم يروح. وانا كنت شايفه انو لو روّحنا حيدبحنا، فلازم نكمل... لازم نكمل لحد ما مبارك يمشي والنظام يسقط يعني مش بس مبارك يمشي يعني. بالليل في ناس كتير مشيت من الميدان، اللي هو [يوم] التلات. دا في ناس من صحابنا كمان مشيوا. في بعض الكتاب المثقفين والمنظرين مشيوا. المجلس العسكري بيحارب الثوره من أول يوم، وفشل... هي دي الفكره بس يعني، الفكره انو كان بيحارب جاهدًا... جاهدًا انو يقضي على الثوره دي بأكتر من طريقه، بالاعتقالات وانو ياخد ناس ويعذبها والتعذيب كان بشع جدًا على فكره أثناء 18 يوم كمان. فتره ٩ مارس اعتقد انوا عمل نقطة تحول في نشاط المجموعات السياسيه ثم كمان عمل تحول في مواجهة الناس للحقيقه الصادمه انو المؤسسه العسكريه في مصر هي بتعبّر عن مبارك وهي استكمال واضح لحكم مبارك وانو تم التخلص من حكم مبارك بحكم هو كان عقبه لبقاء المؤسسه العسكريه الفاسده ولبقاء العسكر في الحكم.

يعني إيه سلمية؟

اللي حصلي اني اتخدت واتضربت وودّونا للمنطقه العسكريه وشفت بعيني التعزيب الي بيتعمل وانا نفسي إتضربت وبنات اتضربوا وتم الاعتداء عليا وانا داخله المتحف وتم ربطي، بس ده كله تفاصيل لا تُذكر بالمقارنه مع الذي حصل لبقية الشباب جوه. ولولا انو احنا بس اجتهدنا وعملنا الفِديوهات ونشرناها ونزّلنا وحاجات ومش عارفه ايه وعملنا اجتماع واسع لكل الناس المهتمه باللي حصل وأساسًا كتير ناس جات وأسسنا لا للمحاكمات العسكريه للمدنيين الي هي حركه المجموعه الي إشتغلت على انتهاكات العسكر طول فترة الثوره وبصراحه المجموعه ساهمت بشكل ضخم جدًا وانضم اليها عدد كبير جدًا من المتطوعين، ساهمت في تحريك احداث السنه كلها في رأيي وساهمت كمان في كشف معلومات كانت الناس محتاجه تعرفها.

يعني ايه سلميه؟ يعني لما تتضرب بالرصاص وانت ترد بالطوب، وبيقولو عليك ان انت بلطجي. وسلميه يعني لما تتدهس بالمدرعات بالجيش وتطلع تضرب حد من اللي بيقتلوك وقتلوا اخواتك وبيتهموك إن انت الي بتضرب؟ سلميه يعني لما تتصاوب بالرصاص في عينك فتضرب بالمولوتوف وبيقولوا عليك برضو انو انت بلطجي وان دي مش اخلاق الثوره؟ قللي ايه هي اخلاق الثوره؟ اللي هي عامله ازاي دي؟ أخلاق الثوره يعني ان الناس وصلت، الناس فاكره انو الثوره ميدان التحرير وده مش صحيح. كل الناس اللي بتتكلم انو اعتصام ١٨ يوم هو الي وّقع حسني مبارك مش صحيح على فكره. مش صحيح. الناس وصلت الميدان ازاي؟ هو دا السؤال اللي المفروض يتسأل. الناس وصلت ميدان التحرير بعد معارك في الشارع إستمرت تمنيه واربعين ساعه متواصل والمظاهرات دي بتيجي على الميدان، الميدان ماكنش عمرو حيتفتح لو الأحياء ما قررتش انها تعمل معركتها في الحي. الكلام دا كلو ما طلعش الا مع مواجهتنا للعسكر، بعد ما واجهنا العسكر وده في مسج [رسالة] مهمه: انو عايزك طول الوقت تتضرب وتروح تنام زي ما كان بيحصل ايام مبارك. ما هو إحنا عشنا في تلاتين سنه سلميه على فكره. انك ترد على القتل والعنف بعنف حتى لو عنف أقل منو بكتير يعني حتى مش عنف بيساوي عنف الدوله، عنف الدوله المنظم إجرام.

لا أملك من المهارات اللي تخليني اعمل حاجه عنيفه، يعني انا أكتر حاجه بعملها كنت بعملها في حياتي هو انّنا كنت بضرب طوب في [موقعة] الجمل او [شارع] محمد محمود ولا اي حاجه وأنا ده حقي وحفضل متمسكه بيه لحد اخر لحظه وأي مؤسسه في الدوله ظالمه بتسحق الناس وبتهينهم وتذلّهم وتعذبهم هي مؤسسه تستحق الحرق بلا نقاش.

العيله مقسومه زي اي عيله في مصر، أسره عاديه متوسطه، أبويه راجل مش متعلم ما بيعرفش يقرا ولا يكتب وأمي كذلك. أنا أمي تقدر تميز شكل اسمي لأنها حافظه شكل اسمي من الجرايد. الوعي صراحه ملوش علاقه خالص بأديه معاك شهاده عليا، بدليل انو اللي خربوها هم كلهم معاهم شهادات عليا يعني. وفكره كمان يوم ما جا [ابوي] السجن زارني هو وماما كان عظيم جدًا وكان أداؤه رائع جدًا. أمي كانت بتعيط [تبكي] طبعًا بس أبويا كان أداؤه رائع في الحقيقه، ولما أنا عيّطت كان شايف انو ليه انا عيّطت أساسًا، انّو انا اللي بعملوا دا صح وانو اللي بعملوا ده حاجه مهمه جدًا ولازم أبقى متماسكه. أبويه مع الاسف ما شفش الثوره، مالحقش الثوره يعني، أعتقد كان حيبقى فارق معاه جدا موضوع الثوره.

نموذج «سمبو»

انبهار العالم بثورة مصر انبهار مفتعل وليه أهداف سياسيه أخرى يعني. أحنا عملنا حاجه عظيمه لكن المبالغه فيها ده ضرّها لأن أقنع الناس وأدى لهم تصوّر انو خلاص خلصت، فالناس بأ تروح البيت وده مش صحيح والعالم كلو تأملوا ده عشان المعنى ده يوصل. لكن أنا شايفه انو العالم من مصلحتو انو ميكونش في ثوره جذريه. العالم من مصلحتو يكون في حاجات ظريفه كده شكلها ثورات. والعالم من مصلحتو انو مايبقاش في حركه اجتماعيه واسعه بتطالب بالحقوق، قلبها العداله الاجتماعيه مش الحريه ونقطه. يعني طول الوقت والناس بتقولك الناس دي خرجت علشان الحريه. لأ الناس دي خرجت علشان مش معاها تاكل! والأكل ما جا لحد دلوقتي ومش حييجي لأن النظام في مصر من مصلحتو إنو يبقى في إفقار المهمشه أكتر بالدليل انو الـ١٢ الف معتقل اللي إحنا ما بنعرفش عنهم حاجه اللي في السجون دلوقتي كلها طبقات شعبيه. «الاكتِفِستْ» [لهم] دور مهم يعني انا انو الدور اللي لعبوه وأنا منهم ونحنا عملنا ما يسمى بإعلام الثوره، بنكتب، بنقول، بنصوّر، بنوثّق، ولكن مش كلنا بنبقى واقفين في المعارك في اول صف. دي حقيقه موضوعيه يعني، ومش مطلوب انو كلنا نبقى واقفين في الصف الأولاني ولكن الفَرْق الصوره النمطيه اللي عايزين يصدروها للميديا وللاعلام وللتسويق الدولي يعني والاكتفست اللي بيحرك العالم وراء الـ«كي بورد»، مفيش إعلام بيتحرك وراء «الكي بورد» أساسًا يعني، يعني مفيش ثوره قامت علشان «تويتر» أو علشان «فيس بوك» فالحقيقه يعني، الثوره بتقوم لما الناس بتنزل وتقاوم وتموت وتضحي بحاجات مهمه جدًا في حياتها، النموذج اللي عايز يصدرو الغرب ويصدرو الميديا العالميه انو النموذج بتاع [وائل] غُنِيم على سبيل المثال هو النموذج للثوره في مصر، لأ... ده النموذج الاصلاحي في مصر. ده نموذج الشخص الي حيرضى بكل حلول وباي حلول طالما هي مش حلول جذريه أساسًا. لأنو هو أصلًا شايف انو الثوره آخرها بالنسبالو مظاهره. لكن الثوره مش مظاهره في الحقيقه، الثوره عمل جماهيري، منظّم، قاعدي، الناس بتخرج بتجيب حقها بإديها وبترجع.. يا اما ما بترجعش، وعلشان كده احنا شايفين انو نموذج «سمبو» يللي محبوس بقضية إنو شايل سلاح انو هو خطف سلاح، الي كنا بنأضرب بيه يوم ٢٨ يونيو، يعني واحد خطف سلاح من ايد قاتل بيتحاسب انو شال سلاح من ايد قاتل، «سمبو» عشان من «الشرفيه» وسمبو علشان من بيئه فقيره، مابقاش رمز للثوره دي رغم انو انا شايفه انو بلد اكتر من نص سكانو تحت خط الفقر لازم يكون «الهِيرو» بتاعو واحد فقير زي «سامبو»، في الاخر...

خالد سعيد؟ الاتنين اصحاب حق، الاتنين أصحاب الثوره، ولكن التعمّد في انو ده يبقى رمز الثوره المصريه وانو «سامبو» يبقى مجرم وبلطجي هو ده الموضوع. رمز الثوره المصريه في الحقيقه هو «سامبو» والي زيو كتير جدًا جدًا جدًا اللي احنا ما نعرفهمش.

العدد الثاني - صيف ٢٠١٢

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.