العددان ٣-٤ خريف ٢٠١٢ / شتاء ٢٠١٣

٣٠ «جمول»: مقاومتان

النسخة الورقية

تصدت القوات المشتركة (الفلسطينية اللبنانية) للغزو الإسرائيلي الذي بدأ في السادس من حزيران ١٩٨٢. وفي محيط بيروت وعلى مداخلها سطّر المقاومون ملاحم بطولية لاسيّما على محور خلدة والمتحف.

خرجت القوات الفلسطينية من بيروت بموجب اتفاق دولي إدارة المبعوث الأميركي فيليب حبيب. لكن القوات الإسرائيلية اجتاحت بيروت تعاونها الميليشيات الكتائبية وارتكبت أبشع المجازر بحق المدنيين خاصة الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا.

خلال تقدم قوات الإحتلال الإسرائيلي وحين تكشّفت نواياها في الوصول إلى العاصمة بيروت وإملاء الشروط السياسية المذلّة، وفي ظل تعطيل دور الجيش اللبناني وعدم مشاركته بأي عمل دفاعي، وتورط الميليشيات الكتائبية في التحالف مع القوات الغازية، تدارست الأحزاب الوطنية سبل المواجهة على مدى ثلاثة أشهر، وفي ١٦ أيلول ١٩٨٢ تنادت إلى اجتماع أعلنت فيه انطلاق المقاومة الوطنية بنداء مشترك من ثنائي جورج حاوي ومحسن إبراهيم (الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي).

وفي عشرين أيلول كانت عمليات المقاومة في بيروت تشل حركة قوات الاحتلال وتفرض عليها حالاً من الذعر والهلع. فمن عملية الصنائع (الحزب الشيوعي) الى عملية عايشة بكار (منظمة العمل الشيوعي) إلى عملية مقهى الويمبي (خالد علوان- الحزب القومي) إلى كورنيش المزرعة قرب منظمة التحرير (عملية مزدوجة من الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي) إلى محطة أيوب وجسر سليم سلام (الاتحاد الاشتراكي العربي – الناصريون) إلى الرملة البيضاء والروشة، إلى صيدلية بسترس (الحزب الشيوعي) حتى كانت هذه الضربات تفعل فعلها وتدعو القوات الغازية بمكبرات الصوت السكان إلى عدم إطلاق النار لأن قوات الإحتلال منسحبة من بيروت.

وفي السادس والعشرين من أيلول احتلت القوات الغازية بيروت فبدأت ضربات المقاومة تطاردها في الجبل ونجحت في عمليات نوعية بقتل العشرات من جنود الاحتلال عبر تدمير ناقلات جند. وامتدت العمليات إلى زرع عبوات ناسفة على جميع الطرقات التي تسلكها هذه القوات، ونشطت العمليات في البقاع الغربي وصيدا. وشهدت صيدا عملية نوعية كادت تقضي على قائد قوات الغزو شارون.

انفردت الأحزاب الوطنية في ممارسة أعمال المقاومة كل في حدود تكوينها وتنظيمها وقدراتها لكن تنسيقاً ثم بين ثلاثة فصائل هي الحزب الشيوعي ومنظمة العمل الشيوعي وحزب العمل الاشتراكي العربي، وقد نالت هذه الفصائل دعم حركة فتح والجبهة الشعبية.

١٣٨٢ عملية و٢٥٠ شهيد

بين عام ١٩٨٢ و١٩٨٥ كانت معظم عمليات المقاومة من الأحزاب الوطنية وقد قامت هذه الأحزاب بعمليات نوعية ومنها عمليات استشهادية للحزب الشيوعي والحزب السوري القومي الاجتماعي. بلغت عمليات المقاومة خلال سنتين ١٣٨٢ عملية، واستشهد للأحزاب أكثر من مئتين وخمسين مقاوماً واعتقلت القوات الإسرائيلية أفواجاً من المناضلين تجاوزوا ثلاثة آلاف مناضل.

ومنذ ١١/١١/١٩٨٢ انضمت «المقاومة الإسلامية» (تألفت من عناصر حركة أمل وأمل الإسلامية وحزب الدعوة وتحولت جميعها إلى حزب الله) إلى المقاومة بإطلاق عمليات نوعية كانت أولاها على مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي في صور، ثم على قوات المارينز والقوات الفرنسية في بيروت. وتميّزت عمليات «المقاومة الإسلامية» بالطابع الاستشهادي الذي أحدث خسائر باهظة في قوات العدو كما أحدث دوياً أدى إلى انسحاب قوات المارينز والفرنسيين، كما إلى تقليص انتشار وحركة قوات الاحتلال. وفي العام ١٩٨٥ كانت قوات الاحتلال قد انسحبت من الجبل ومن شرقي صيدا وجزين، ثم انسحبت عام ١٩٨٧ إلى الشريط الحدودي خلف الليطاني وتمركزت فيه بالتعاون مع جيش العميل اللواء انطوان لحد المسمّى «الجيش الجنوبي».

خرجت الأحزاب الوطنية من ظروف الحرب الأهلية (١٩٧٥ – ١٩٨٠) مستنزفة وقد خسرت جزءاً مهماً من جمهورها ومن جغرافيتها. لم تتوفر لهذه الأحزاب وسائل الدعم الجدية والمستقرة لكي تشكل تنظيمها العسكري فضلاً عن تنظيمها الحزبي. وقد خسرت جزءاً مهماً من نخبة كوادرها العسكرية على جبهات الحرب الأهلية في بيروت والجبل والشمال ولاحقاً في الصراعات الداخلية بين التنظيمات ولاسيّما مع حركة أمل.

بخروج الفلسطينيين من لبنان انقطع الدعم الرئيسي بصورة خاصة للشيوعيين. فلم تعد القيادة الفلسطينية بوارد التركيز على الساحة اللبنانية وقد تعرضت إلى هزيمة أدت بها إلى الجلاء عن لبنان.

كان العمل المقاوم يحتاج إلى إمكانات هائلة من المال والسلاح والتنظيم والإدارة. وكان يحتاج إلى بيئة شعبية حاضنة. تعرضت هذه الشروط إلى التضييق. في البقاع تولت القوات السورية ضبط العمل المقاوم وأصرت على إدارته ومارست تضييقاً قاسياً على المقاومين لاسيّما الشيوعيين. وفي الجنوب قويت شوكة حركة «أمل» و«حزب الله» وخلقت نوعاً من بيئة طائفية متناغمة سعت إلى توجيه أعمال المقاومة والتحكم بها خاصة من قبل كوادر حركة «أمل» قبل أن يتحول «حزب الله» بعد ١٩٩٠ إلى الطرف المسيطر.

كان على المقاومة الوطنية أن تشق طريقها وسط هذه العوائق والصعوبات. لكن الظروف السياسية الداخلية خاصة بعد عودة القوات السورية إلى بيروت في عام ١٩٨٧ وإمساكها بالوضع السياسي والأمني ساهمت كذلك بالضغط على حركة اليسار وتحجيمها وضبطها لمصلحة المشروع السياسي السوري وقواه. وبعد حرب المخيمات ونزاعات «أمل» و»حزب الله» حسمت القيادة السورية أمرها بدعم «حزب الله» ووحدانية سلطته في المقاومة ومكنته ومكنت حركة «أمل» من ضرب الوجود اليساري العلني في الضاحية الجنوبية وبيروت والجنوب.

تزامنت كل هذه الوقائع مع تغيّر في المناخ الدولي اشغل العراق بالحرب مع إيران ثم محاصرته ثم الحرب عليه، وما جذب سورية إلى حرب الخليج ثم إنهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفياتي ما خلق حالاً من الإرباك الشديد الضاغط على اليسار في كل مكان.

توقفت منظمة العمل الشيوعي عن ممارسة أعمال المقاومة عام ١٩٨٥ ولو كانت بعض العمليات خلال السنتين الأخيرتين وضعت «بأعمال القشرة». واستمر الحزب الشيوعي فاعلاً حتى عام ١٩٨٧ وحين قام بتنفيذ محاولة اغتيال انطوان لحد (سهى بشارة) تعرض مركزه الرئيسي في الرميلة إلى قصف إسرائيلي جوي ساهم في إضعاف قدراته على مختلف الأصعدة. ثم كانت مشكلات الحزب الداخلية ومحاولات جورج حاوي الخروج بصيغة سياسية وتنظيمية جديدة، ما أدى إلى شل قدرة الحزب على متابعة العمل المقاوم. وتوقفت الأحزاب الوطنية الأخرى عن العمل المقاوم الذي اجتمعت مقوماته عند «حزب الله» حيث تضافرت له وسائل الدعم الإيراني السخي وكذلك الدعم السوري.

فمنذ العام ١٩٨٢ جاءت إلى البقاع قوات من الحرس الثوري الإيراني أشرفت على تأهيل «حزب الله» وقدمت له المساعدات النوعية المادية والتدريبية والتسليحية، واشتغلت إيران وسورية على خلق تيار سياسي ذي عقيدة دينية مذهبية شيعية، فتحول الجنوب إلى منطقة سلطة محررة يديرها ثنائي «أمل وحزب الله» مع أرجحية لصالح الحزب.


«سنقاوم ...»
جبهة المقاومة الوطنية
مصمم: ناظم عيراني
مجموعة: زينة معاصري
مصدر: signsofconflict.com
50x70 cm

 

المقاومة بقيادة حزب الله

استطاع «حزب الله» قيادة مقاومة ناجحة بكل المعايير. واجه عام ١٩٩٣ اعتداءً إسرائيلياً واسعاً، وفي عام ١٩٩٦ (عناقيد الغضب) استطاع أن يفرض نفسه مفاوضاً على وقف النار. أدارت سورية هذه المواجهة طبعاً والحكومة اللبنانية على المستوى السياسي. وفي ٢٥ أيار ٢٠٠٠ توج الحزب نضاله بتحقيق نصر إستراتيجي حقيقي بإنسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط. خلال مفاوضات مدريد (١٩٩٠ – ١٩٩٢) كان هناك توجه دولي نحو تسوية الصراع العربي الإسرائيلي ومن بنوده تطبيق القرار ٤٢٥. في العام ١٩٩٥ مع اغتيال رئيس الحكومة الإسرائيلية اسحاق رابين توقفت «عملية السلام». استطاع السوريون دائماً استخدام الجنوب اللبناني جبهة مفتوحة مع إسرائيل وربطوا مصير الجولان والتفاوض بصدد تحريره بقدرتهم على الضغط من خلال جبهة الجنوب. أصر السوريون على «وحدة المسارين السوري اللبناني» بعد أن فشلوا في الاحتفاظ بوحدة المسار الثلاثي (الفلسطيني السوري اللبناني) مع اتفاقية اوسلو (١٩٩٣).

بعد فشل المفاوضات على الجبهة السورية قررت إسرائيل فصل هذه المسارات. وبخروجها من لبنان مهدّت الطريق لسحب «الورقة اللبنانية» من يد سورية.

أتت لسورية فرصة التفاهم المباشر مع الأميركيين بعد حرب الخليج الثانية وقد ربطت وجودها في هذا البلد بحل أزمة الشرق الأوسط. فقد أعطى الأميركيون والأوروبيون سورية علناً هذا التفويض في غير مناسبة. قدمت سورية للغرب تنازلات مهمة منذ ضرب الحركة الوطنية والثورة الفلسطينية في السبعينات إلى عملية إنهاء الوجود الفلسطيني الفاعل في الثمانينات، إلى المشاركة في حصار العراق في عاصفة الصحراء، إلى ضبط المقاومة اللبنانية واليسار وشطبهما من المعادلة.

بعد ١١ ايلول واحتلال العراق ٢٠٠٣ كان على سورية أن تختار بين التسليم بشروط الالتزام الأميركي الجديد وفي أساسه إلغاء الموقع الإيراني على المتوسط وعلى حدود إسرائيل وبين الإنكفاء، وقد اختار الإنكفاء بعد القرار الدولي ١٥٥٩ لأنها غير قادرة على فك ارتباطها بإيران لا من خلال ضبط «حزب الله» ولا التخلي عن الدعم العسكري والمادي الإيراني. وردت على الضغوط بتشديد قبضتها الأمنية وفرضت التمديد للرئيس إميل لحود وعبثت بالساحة الأمنية من خلال مسلسل الاغتيالات، واستخدمت قوة «حزب الله» ذراعاً لتطويع المعارضة السياسية لوجودها ودورها.

في عام ٢٠٠٦ قرر محور (حزب الله – إيران – سورية) مواجهة القرار ١٥٥٩ بتعطيل المطلب الدولي بنزع هذا السلاح وبتعطيل المطالبة الداخلية لإيجاد حل نهائي له تحت ذريعة انتهاء مهمته ووظيفته «المقاومة» و«التحريرية». ومن المرجح أن «حزب الله» لم يكن يرغب في الحرب ولكنه يرغب في مواجهة محدودة تنتهي بالتفاوض الذي يعزز دوره الوطني، من خلال مبادلة الأسرى.

لكنه في كل حال انتصر في حرب تموز ربما لأنه استعجل إسرائيل لخوض حرب لم تكن وفق شروطها، ولم تكن وفق تقديراتها. وبالفعل صمد «حزب الله» وأثبت أنه قوة دفاع جدية تملك استعداداً معنوياً هائلاً وتأهيلاً بشرياً مميزاً، وقدرات تسليحية وإدارة للمعركة جيدة جداً. هكذا فرض «حزب الله» معادلة أنه قوة دفاعية عن لبنان جديرة بهذه المهمة وبنى على هذا الإنجاز ما صار يعرف بأنه الضلع الثالث من محور الممانعة «حزب الله – سورية – إيران». إلاّ أن هذه الجبهة فقدت عدة عناصر خلال العامين الماضيين بخروج أحد أطرافها وهو «حركة حماس» في غزّة من هذا الحلف. فضلاً عن شرعية المسألة الفلسطينية ذاتها لتبرير تلك المواجهة عربياً. كما فقدت الدور السوري وهو الحلقة المركزية في الغطاء العربي لهكذا مواجهة وفي صلة الوصل الميدانية التي تربط أطراف هذه الجبهة. لكن «حزب المقاومة» فقد أيضاً جزءاً من رصيده اللبناني والعربي.

تورط «الحزب» في السياسة الداخلية اللبنانية وإنضم كأحد ركائز النظام الطائفي وخضع لقواعده وتقاليده. كما أظهر عجزه وعدم رغبته كذلك على أن يكون قوة دعم لأي مشروع إصلاحي أو الاتصال بالحركة الشعبية ومطالبها. وشكّل خطاب الحزب المتجه إلى تقوية وتجذير موقعه الطائفي المذهبي إلى نفور قطاعات من الفئات الشعبية من هذا الخطاب وهذا السلوك. وقد كانت ممارسات الحزب ذات الأحادية الأمنية خاصة في تنظيم الأنصار والاتباع وما يوصف بالاختراقات الطائفية للجماعات الأخرى مصدر شكوى وتذمر في البيئتين التقليدية والتقدمية. أما أحداث ٥ أيار وما تلاها عام ٢٠٠٨ بعد قرار الاعتصام لسنة ونصف في وسط بيروت فقد أصابت الحزب بأضرار كبيرة لجهة التوترات المذهبية وتغذيتها، وكاد تدخله العسكري في الجبل يحدث حرباً أهلية. وقد كان لموقف الحزب من الأزمة السورية، ودعمه للنظام ضد شعبه، وارتباكه في الموقف من الثورات العربية، الأثر الأكبر في تراجع شعبية الحزب كنموذج وكمثال وكقوة تحرر وطنية لصالح تكريس وترسيخ صورته المذهبية وارتباطه القوي بالموقع الإقليمي ونزاعاته والهامش الضعيف لاستقلاله.

إن هذه القراءة النقدية لتجربة «حزب المقاومة» لا تبرر السياسة التي انتهجها خصومه في الداخل اللبناني إنطلاقاً من إندراجهم في المشروع الأميركي وحليفه العربي الخليجي. لقد شكلت سياسة محاصرة «حزب الله» والدعوة إلى «نزع سلاحه» وسيلة مباشرة لإنكماشه على بيئته المذهبية ولزيادة رهانه على موقعه الإقليمي وعلى صعوبة «لبننة» توجهاته وممارسته. فلم تصدر تلك الدعوات «لنزع السلاح» عن نية حقيقية في نهوض الدولة بمهامها الدفاعية ولا بمهمة توحيد البلاد وتعزيز نظامها الديمقراطي بل صدرت عن مشروع تصفوي لإرث المقاومة وإنجازاتها ولتراث لبنان الوطني وتضحياته. وشكّلت إنقلاباً صريحاً على إنجاز المقاومة والتحرير وهدفت إلى إستعجال توقيع صلح مع إسرائيل لا محل فيه لعناصر القوة اللبنانية ولا ضمانات فعلية رادعة أو كابحة للعدوانية الإسرائيلية.

من المقاومة الى الدفاع الوطني

يقف اللبنانيون أمام هذه النتائج التي أدت إلى إنقسام وطني عميق بدأ يتجه بقوة لكي يتحول إلى أزمة خطيرة في علاقات الجماعات الطائفية، في حال من الضياع بصدد المخرج من هذه الأزمة وقد زادتها تفجراً الأزمة السورية والأبعاد الطائفية التي تتجاذب السياسات العربية والإقليمية.

منذ التحرير ٢٥ أيار عام ٢٠٠٠ لم يعد «حزب الله» يؤدي دور المقاومة بالمعنى الدقيق للكلمة. فقد توقف الحزب عن عملياته العسكرية ما خلا بعض «العمليات التذكيرية» كما يعترف في منطقة شبعا وتلال كفرشوبا والغجر.

وفي عام ٢٠٠٦ تحول الحزب إلى قوة دفاع وطني لا جدال فيها وقد نجح في إثبات جدوى هذه المهمة وشرعيتها. ومن الطبيعي أن يحافظ لبنان على هذا الإنجاز وعلى هذا الرصيد وهذه القوة ولا سبيل إلى ذلك إلاّ من خلال الدفاع عن تنظيم سلاح المقاومة وآليات عملها ووسائلها الناجعة وحقها في حماية أمنها وأمن قيادتها وعناصرها. ومن الثابت أن الجيش اللبناني لا يملك القدرة على القيام بهذا الدور بل هو يستطيع فعلاً أن يتكامل مع «المقاومة» في مهام كثيرة وعديدة وواسعة مازالت تشكل ثغرات لخطة الدفاع الوطني وأن يستوعب تدريجياً إمكانات المقاومة في اتجاه وحدة السلاح. لكن هذا التكامل الذي أشار إليه شعار «الشعب والجيش والمقاومة» يحتاج إلى آليات من جهة ويحتاج إلى تفاهم سياسي وطني يزيل التباسات دور سلاح المقاومة من جهتين، الدور الداخلي في الحياة الوطنية والدور الإقليمي.

يستحيل قيام ثنائية سلطة في بلد واحد دون نزاع. فلا بُد من مرجعية واحدة سياسية وأمنية. كما يستحيل قيام الدولة بكامل مهامها في ظل انتشار السلاح بصورة عشوائية وخارج كل ضبط ومراقبة وتنظيم. هذه المسألة ليست من صلب مهام الدفاع الوطني ما لم تكن وفق تنظيم علني يخضع لإمرة الجيش اللبناني إذا كان له دور في المقاومة الشعبية.

أما الإشكالية الطائفية فهي جزء مهم من الأزمة اللبنانية. فلا بد إذاً من صيغة للمقاومة الشعبية على مستوى وطني تؤمن مشاركة اللبنانيين بمختلف أطيافهم وشعورهم بالحصانة والضمانة والأمن من أية هيمنة.

أما الهاجس الأكبر المشروع فهو أن تكون المقاومة جزءاً من قرار خارجي ومصلحة خارجية وهذا أمر تعززه مواقف المقاومة وتحالفاتها وخطابها. وبالفعل لا يتحمل لبنان دوراً كهذا ولا يقبله معظم اللبنانيين.

قد لا يكون هناك ضمانة فعلية تجاه هذه المسألة إلاّ إذا صار القرار الشامل والحقيقي لسلطة الدولة المركزية. لكن هذه الدولة من أجل أن تتصدى لهذه المهمة يجب أن تقدم بما هي ممثلة للشعب اللبناني ضمانه كذلك بأن تنتهج سياسة دفاعية وطنية ضد الخطر الصهيوني وأن تجسد فعلاً الحرص على الأمن الوطني اللبناني بإنهاء كل الواقع السياسي والأمني الشاذ الذي حوّل الدولة أو جزءً منها إلى طرف معادٍ للمقاومة.

صياغة هذه العلاقة الوطنية الصحيحة يجب أن تنبع من قناعة مشتركة وإرادة لبنانية جامعة. هذه القناعة وهذه الإرادة تحتاج إلى وعي بأنه لا بديل منها ولا خيار سواها وإلاّ فإن الانقسام الوطني لن يحل مشكلة لبنان وكياناً واستقراراً.

العددان ٣-٤ خريف ٢٠١٢ / شتاء ٢٠١٣

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.