العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

تشكيل حكومة جديدة إنّه اللاحدث!

بيروت، ٢٢ تشرين الثاني ٢٠٢٠

إعلان أسماء الوزراء في حكومةٍ جديدةٍ ليس إلّا فصلًا آخرَ من مسرحيّةٍ كوميديّةٍ في الشكل، لكنّها تراجيديّةٌ في المضمون، عنوانُها انهيارُ النظام السياسيّ الحاكم في لبنانَ منذ ثلاثين عامًا. هذا الفصل الأخيرُ يتميّز عمّا سبقَه من فصولٍ بأنّه يستعين بتقنيّة الأقنعة، وإن كان بكفاءةٍ إخراجيّةٍ منعدمة.

إنّه اللاحدثُ، ليس بسبب الأسماء، إنّه اللاحدثُ بكل بساطةٍ لأنّ النقاش قبل وخلال وبعد التكليف والتشكيل، لم يكن إلّا حول الحصص الطائفيّة، والمعايير الشكليّة، وتغاضَى عن المُعطى السياسيّ الأوّل في لبنان اليوم، أي إدارة الأزمة الماليّة والإرث اللعين لنظام الزعامات الطائفيّة وأصحاب مليارات الصفقات وسياساتِهم.

وقد تزامَنَ هذا اللاحدثُ بفاصلِ دقائقَ معدودةٍ، ويا للصدفة، مع إعلان نقابة الصيارفةِ سقفًا لسعر بَيع الدولار بـ٢٠٠٠ ليرة، وليس لشرائه، بعد الاتفاق بين النقابة وحاكم مصرفِ لبنان الذي مازال يصرُّ على أنّ سعر الصرف هو ١٥١٥ ليرة. موظّفٌ، ومجموعة تجّار يتّفقان على تحديد سعرَيْ صرفٍ لليرة، فيما الشاشاتُ مشغولةٌ بأسماءَ وحقائبَ وحصص. وهكذا شُطِبَ للحكومة كهديّةٍ عند ولادتها أكثرُ من ثلث مداخيلِ اللبنانيّين، بقرارٍ من موظفٍ ومجموعةِ تجّار، وهذه ليست سوى البداية…

من هنا تصبح مسؤوليّة كلِّ مَن قبل أن يشاركَ في هذا الفصل المُبكي من مسار تدمير المجتمع، وكل من سكَتَ عنه، مسؤوليّة كبيرة، وكلّ يومٍ يمرّ هو تمادٍ في الجريمة.

هذا اللاحدثُ، بدرجةٍ مفارِقته للواقع الفعليّ من جهة، وبخطورة الأزمة وعمقها من جهة أخرى، يَرقى إلى مرتبة الحدَث الأمثل في انعدام المسؤوليّة، عند قوى السلطة، مَن شارك في تشكيل الحكومة، ومَن هربَ من مسؤوليّاته التاريخيّة والحاضرة عن دمار المجتمع.

نحن في حركة مواطنون ومواطنات في دولة، نعيد التأكيد أنّ الحلّ الوحيد الذي مازال متاحًا، وهو لن يبقى متاحًا إلى ما لا نهاية، هو في فرض التفاوضِ على انتقالٍ سلميٍّ للسلطة إلى حكومة إنقاذٍ حقيقيّة، حكومة يتمتّع رئيسُها وأعضاؤها بالمعرفة والجرأة والحرّيّة، لمدّة ١٨ شهرًا، لمواجهة الأزمة الماليّة، حكومة تضعُ الأسسّ الفعليّة لدولةٍ مدنيّةٍ ديمقراطيّة قادرةً وعادلة.

بناءً عليه، ندعو وبإلحاحٍ، كلَّ القوى والشخصيّات السياسيّة الصادقة التي تعي فعليًّا خطورةَ الموقف، والتي هي مستعدّةٌ لتحمّل مسؤوليّاتها في إنقاذ البلاد، إلى الالتقاء على تشخيص المرحلة الحاضرة بدقّة، وتشكيل بديلٍ سياسيٍّ جدّيًّ لقوى السلطة، يفاوض على الانتقال السلميّ، لمواجهة الأزمة الماليّة وبناء الدولة المدنيّة.

نحن في سباقٍ بين الانهيار الكامل والعنف الأعمى، وبين نافذةٍ صغيرةٍ للإنقاذ. جميعُنا مسؤولون، فلنبادر.

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.