العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

لنبني اقتصادًا منتجًا ومستدامًا للأكثرية وليس للقلة

يمرّ الاقتصادُ اللبنانيُّ اليوم بأزمة خطيرة وضعت البلد أمام مفترق طرق تاريخيّ، بعدما تفكّكت المرتكزات الاقتصاديّة والسياسيّة للنمط الريعيّ السائد منذ التسعينيّات، من دون أن تتمكّن القوى الحاكمةُ من إيجاد أيّ بديلٍ قابل للحياة. وفي مواجهة هذا المأزق، يرى الاقتصاديون الموقِّعون أدناه أنّه لا بديل عن طرح رؤيةٍ اقتصاديّة تؤسس لنموذجٍ اقتصاديٍّ جديد لا يحلّ فقط الأزمة الحاليّةَ - المتمثّلة بتزامن العجزين التجاري والجاري الكبيرين وتلاشي معدّلات النموّ وارتفاع معدّلات البطالة وتراجع التدفّقات الماليّة الخارجيّة - وإنّما يبني أيضًا اقتصادًا جديدًا يؤمّن التطوّر والتنمية والعدالة الاجتماعيّة.

وفي هذا الإطار يطرح الاقتصاديّون الإجراءاتِ الآتية:

- أوّلًا، إجراء تغيير جذريٍّ في أسس الاقتصاد اللبنانيّ وتحويله من اقتصادٍ ريعيٍّ يدمّر البيئةَ وتستفيد منه القلّة، إلى اقتصادٍ إنتاجيٍّ متوازنٍ ومستدام يستجيب لمصالح الأكثريّة في كل مناطق لبنان. وهذا الأمر يتطلّب إجراءاتٍ لتحويل الموارد من الريع والممارسات ذات الطابَع الاحتكاريّ إلى الإنتاج التنافسيّ عبر نظامٍ ضريبيٍّ حديث وعبر الاستثمار العام في البُنى التحتيّة التي تدعم القطاعات عالية الإنتاجيّة والتصديريّة، وفي طليعتها قطاعُ الكهرباء والاتّصالات.

- ثانيًا، إجراء إصلاحٍ ضريبيٍّ جذريّ وعادل يؤمّن مواردَ جديدةً لبناء الدولة العصريّة ويخفضُ العجز وتراكمَ الدين العام الذي تستفيد منه القلّةُ التي تستثمر في أدوات الدين. وتقضي أسسُ هذا النظام الضريبيّ الجديد باعتماد التصاعديّة ورفع الضرائب على شطور الأرباح والريوع والفوائد واستحداثَ ضريبةٍ على الثروة وزيادةَ معدّلات الضربية على توريث الثروات الكبرى.

- ثالثًا، العمل على حلّ معضلة الدين العام وتراكمه وإزالة شبَحه عن الاقتصاد اللبنانيّ وعن الأجيال المقبلة، وذلك عبر تحويل المصرف المركزيّ لسنداتِ الخزينة اللبنانيّة التي يمتلكها إلى سنداتٍ بفائدة متدنّية، وعبر التفاوض مع المصارف التجاريّة الحاملة لجزء كبيرٍ من الدين العام على تخفيض الفائدة على السندات التي تحملها، وعلى استرداد الأموال العامّة التي حُوّلت إليها من خلال الهندسات الماليّة المتعاقبة عبر إخضاعها لضريبةٍ استثنائيّة.

- رابعًا، التمسّك بتفكيك الكُتل الاحتكاريّة المتحكِّمة بأسواق الغذاء والمحروقات والدواء والإسمنت والطحين وغيرها، والتي تختبئُ خلف ستار الوكالات الحصريّة، وتحظى بدعمٍ كبيرٍ من جانب قوًى نافذةٍ داخلَ السلطة.

- خامسًا، التأسيس لسياسةٍ صناعيّةٍ جديدة ومتطوّرة من أجل دعم قيام الاقتصاد الإنتاجيّ ونقل التكنولوجيا ومماهاة الاقتصاد اللبنانيّ مع التطوّر العلميّ وارتفاع مستوى المهارات لدى الشباب اللبنانيّين، بما يحفّز زيادة الإنتاجيّة والأجور ومعدّلات النموّ ويعزّز سحب آثار التنمية الصناعيّة على باقي القطاعات الاقتصاديّة.

- سادسًا، بناء دولة الرعاية الاجتماعيّة التي تجسّد حقّ اللبنانيّين في العلم والطبابة والاستشفاء والسكَن والتقاعد والحفاظ على البيئة، إلى جانب تطوير برامجَ للقضاء على الفقر والتهميش اللذين يعاني منهما أكثرُ من ثلاثين بالمائة من اللبنانيّين.

إنّ الاقتصاديّين اللبنانيّين يرَون، مع بدء انفكاك شرائحَ واسعةٍ من الشعب اللبناني عن الزعامات الطائفيّة، أنّ الوقت قد حان وأنّ هناك فرصةً تاريخيّةً لإجراء إصلاحاتٍ وتغييراتٍ جذريّة في بُنية الاقتصاد اللبنانيّ للعبور نحو اقتصادٍ جديد مُنتج ومتطوّر وعصريّ ومستدامٍ يليق بلبنان القرن الواحد والعشرين ويؤمّن فرصَ العمل اللائق والرفاهَ والتقدّمَ للأكثريّة وليس للقلّة.

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.