العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

حكومة انتقاليّة بعد سقوط دياب

نداعٍ للانتظار. سقطت الحكومة الجديدة قبل أن تتشكّل، أيًّا كان شكلها.

فمِن الأسماء المقترحة، إلى طريقة التفاوض والمماطلة في التشكيل، مرورًا بالصراعات حول الحصص بين أطراف «اللون الواحد»، بات واضحًا أنّ المنطق القديم ذاته لا يزال سائدًا، وإن كان مقنَّعًا بغطاء «الأخصائيّين المستقلّين» ومجلّدات البروفيسور. إنّها ليست حكومة مواجهة وحسب، ولا يقتصر استفزازها على تعويم باسيل وسواه من الرموز البائدة، بل هي أيضًا فاشلة، حتى بمعايير السياسة اللبنانيّة. فلم تفقد هذه الحكومة، حتى قبل تشكيلها، ثقة الناس، لكن أيضًا ثقة الأطراف السياسيّة وثقة «المجتمع الدولي»، هذا الكائن المنتظَر منه إنقاذُ الماليّة اللبنانيّة.

أصبحت لحظة إعلان الحكومة لحظة إعلان المعركة: إعلان معركة اقتحام السراي والمجلس.

لكنّ حكومة البروفيسور لم تسقط وحدها، بل أسقطت معها مطلب الثورة بتشكيل حكومة «أخصائيين مستقلّين».

سقط هذا المطلب لكونه «تسطيحيًّا» ويستبدل الخلاف على التوجّهات السياسية والاقتصادية بالتركيز على الميزات الشخصيّة للوزير. وهذا المنطق التسطيحيّ هو ما قضت عليه الثورة بتجذُّرها المتصاعِد، إذ انتقلتْ من مطالبَ فضفاضة عن «محاربة الفساد» إلى مطالب أكثر تحديدًا، كمحاربة القطاع المصرفيّ أو مواجهة النظام القمعيّ وأحزابه. وكان العنف، بهذا المعنى، المؤشّر على تحوّلٍ في الثورة أخرجها من متاهاتٍ جامعة إلى صلابة الانقسامات الاجتماعيّة.

التجذير هو الواقعيّة اليوم، واقعيّة مَن يدرك أنّ ما مِن حلول وفاقية مع السلطة القائمة.

بات العنف هو الرابط الوحيد بين الثورة والسلطة. رابطٌ أحبَطَ محاولات السلطة للهروب من الأزمة.

ومن تلك المحاولات السهلة التي سقطت، فكرة الحكومة كشكلٍ لحلّ الأزمة الحاليّة. فالمخرَج الحكومي بات مستحيلا بعد اليوم. ترفض الثورة أن تتمّثل فيها، ولن تستطيع السلطة أن تتمثل فيها. هذه المعادلة مفروضة بالحجارة والغاز والمَطّاطي، ولا عودة عنها. كما بات من الواضح اليوم أنّه ليس هناك قوى للتفاوض على شكل حكومة كهذه أو على مضمونها. فلا يمكن بعد اليوم تمرير ألاعيب السياسيّين وكأنّها تفاوضٌ سياسيّ، ولا يمكن تصوير مسرحيّات التفاوض بين «ثوّار» والبروفيسور في صالون بيته وكأنّها عقد اجتماعيّ جديد.

لقد أطاحت أزمة التمثيل السياسي الراهنة إمكانيّة أي تفاوضٍ يشكّل مقدّمةً لشرعيّة الحكومة المقبلة.

سقطت فكرة حكومة الإنقاذ، لكونها لم تعد تلائم عمق الأزمة التي نمرّ بها.

ربّما بات المطلوب اليوم المطالبة بحكومة انتقاليّة، تكتسب شرعيّتها من طابعها الانتقاليّ هذا، أي من اعتبارها أنّ الأزمة الحاليّة باتت تتطلّب إعادة تشكيلٍ للعلاقات السياسيّة والاقتصاديّة الراهنة. بكلام آخر، إنّها حكومةٌ تنطلق من فرضيّة انهيار عقد اجتماعيّ وضرورة الانتقال إلى عقدٍ جديد، وإن كانت لا تنبثق عنه. إنّها إحدى أدوات إعادة إنتاج هذا العقد، إلى جانب أدوات أخرى كالانتخابات وإعادة تفعيل الأطر المؤسّساتية للتفاوض والصراع الاجتماعي. كما أنّ حكومةً كهذه لا يمكن أن تدّعي تمثيل الفئات الاجتماعية المعنيّة بالتفاوض على المَخرج الاقتصاديّ للأزمة الحاليّة. هي مجرّد ناظمٍ للتفاوض المطلوب.

ربّما بات المطلوب حكومة بيانُها السياسي يُلخَّص بجملة واحدة: انتهت اللعبة القديمة، وبات من الضروريّ الانتقال إلى نظام جديد.

في هذه الأثناء، بإمكان السلطةَ الاستمرار باستخدام العنف لمحاولة الهروب من مواجهة خلاصة الأزمة، الخلاصة التي تقول إنّهم انتهوا. والردّ واضح: أهلاً وسهلاً بالمطّاطي.

نشر في «ميغافون» ٢٠٢٠/١/٢٠

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.