العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

دور سلبيّ للمحسوبين على القوى الأمنيّة في طرابلس

كانت مجلة بدايات قد أعدّت لندواتٍ حول انتفاضة 17 تشرين، لكنّ الحجر الصحي حال دون انعقادها، فاستعضنا عنها بأسئلة وجّهناها إلى عيّنة معبّرة من المشارِكات والمشارِكين. ننشر في ما يلي الأجوبة، ونُلحقها بتعليقاتٍ ونبذاتٍ اخترناها من وسائل التواصل الاجتماعي، ثمّ بوثائق وبرامج عائدة لمجموعاتٍ وتنظيمات وأحزاب مشاركة.

 

يعبّر هذا الحراك عن الكثير من الهموم الاجتماعيّة والسياسيّة بطريقةٍ عفويّة نوعًا ما، لكنّني سأغوص في ما وراء الحدث من بوّاباتٍ عدّة أهمّها تلك التي أدّت إلى تلاشيه تدريجيًّا، كما أنّي سأحاول قدر الإمكان الإجابةَ عن الأسئلة المطروحة بطريقة مَن عايَشَ الحدث وكان في صلبه.

١ هل كنت تتوقّع حراك ١٧ تشرين؟ ولماذا برأيك قام أصلًا، واكتسب هذا الاتساع الجغرافي والعمق الشعبي؟ وبالتالي، ما طبيعته: حركة احتجاج، حراك شعبي، انتفاضة، ثورة؟ وما تقديرك للفئات والشرائح الاجتماعية المشاركة فيه؟

لا أحد كان يمكنه تكهّن قيام هذا الحراك واتّساعه الجغرافي في ظلّ فقدان اليسار حاضنتَه الشعبيّة وبُعده عن هموم الناس ومطالبهم الاجتماعيّة. وقد اتّخذ هذا الحراك، إن صحّت تسميتُه كذلك، بُعدًا تصاعديًّا وتحوّل إلى انتفاضة شعب بأسره.
من هذا المنطلق، انخرطت القوى السياسيّة في الحراك من بوّابة الإصرار على استكمال تحقيق المطالب التي أرست مفاهيمَ جديدةً في الشارع الطرابلسيّ بعد طول غياب، وهي القوى السياسيّة المتمثّلة بـ"حزب الطليعة" (البعث سابقًا) و"حركة الشعب" و"الحزب الشيوعي" و"حزب سبعة" و"اتحاد قوى الشعب العامل" و"منظمة العمل الشيوعي"، بالإضافة إلى نقابة المحامين والمهندسين والهيئة التعليميّة والطلاب في "الجامعة اللبنانية" وبعض القوى التي وجدت نفسها في هذا الحراك ومنهم المتقاعدون في الجيش وقوى الأمن الداخليّ، في غيابٍ تامّ لاتّحاد نقابات العمّال والمستخدَمين في لبنان الشمالي.

 

٢ أبرز شعارين رُفعا في الحراك هما «حكومة تكنقراط مستقلّة عن أحزاب السلطة» و«حكومة انتقالية تنظّم انتخاباتٍ مبكرة». ما رأيك بهذين الشعارين وبقدرات قوى الحراك على تحقيق أيٍّ منهما؟

نعم كان الشعاران الأكثر شيوعًا في الحراك: استقالة الحكومة وتشكيل حكومة تكنوقراط وإجراء انتخاباتٍ نيابيّة مبكّرة، وكان هناك توافقٌ بين كلّ مكوّنات الحراك على هذين الشعارين. ولا أخفي سرًّا أنّ المطالب سيكرّسها هذا الإجماع الكبير. لكنّ أهمّ إنجازات الحراك تجاوزُه للفوارق الاجتماعيّة بين المواطنين الذين أصبحوا في "وحدة حال"، خصوصًا المناطق التي كانت تعيش صراعًا بين بعضها البعض، أي أنّ الحراك وحّد الجميع تحت سقف مطالبه.

 

٣ ما أبرز إنجازات الحراك؟ هل كان المطلوب برأيك أن يحقّق إنجازات/إصلاحات معيّنة، وما مداها؟ وما هي برأيك أبرز المطالب المعيشيّة التي كان يُفترض بالحراك أن يسعى إلى تحقيقها؟

على الرغم من ضخامة حجم الحراك، بالَغ المنتفضون في الكثير من الأحيان في طرح الأمور ومقاربتها، إذ بدَوا متيقّنين من أنّ الحراك سيُسقط العهد والحكومة وجزموا أنّ ذلك سيحدث.
 

٤ ما رأيك بشعار «نحن نطالب ولا نفاوض»؟ في غياب التفاوض، هل هناك من سبيلٍ آخر غير أن تتولى السلطة تنفيذ سياساتها ويكتفي الحراك بالاحتجاج؟

لو حاولنا فهم وتقييم مسألة تشكيل تنسيقيّاتٍ للثورة، أو الحراك، لتكون واجهة هذه وذاك في ظلّ فقدان المفاوض المقابل، لكان ذلك هو الأسلم والأجدى، إذ لا يمكن لثورةٍ أو حراك أو تظاهرة أن تكون من دون عقلٍ يديرها ويوجّه تحرّكاتها، ولكان ذلك بديلًا من تسلّل القوى الأمنية والإمساك بمنصّة الثورة وتشجيع الفوضى الخلّاقة التي أطاحت بكلّ إنجازات الحراك بالتخريب والتكسير والاعتداءات على المعتصمين وقطع الطرقات بطريقةٍ همجيّة ومن دون إعلامٍ مسبقٍ للنّاس بقطعها، واتّخاذ تدابير لمنع حجز الناس في أماكنهم.

أستخلص من هذا الحراك، ومن أيّ حراك، أنّه لا يمكنه الاستمرار إذا لم تَقدْه قوى سياسيّة منظّمة. ولا يمكن للحراك العفويّ أن يستمرّ إن لم ينظّم صفوفه من خلال قوى الحراك نفسها، وتشكيل قيادة واعية تحدّد الأولويّات وطرق تفعيلها بعيدًا عن الشخصانيّة وتسلّق جدار الثورة أو الموجة.
أخيرًا، لا بدّ من التأكيد أنّ الثورة ما كانت لتنطفئ شعلتُها لو أنّها اتّخذت إجراءات حاسمةً لمنع تسلّل بعض الموتورين إليها من أصحاب السوابق والمحسوبين على القوى الأمنيّة اللبنانيّة التي عاثت فسادًا في "ساحة النور" من خلال افتعال مشاكل دمويّة وترويج المخدّرات وحبوب الهلوسة وشبكات الدعارة ممّا منع الناس من الاستجابة إلى أيّ تحرّك للنزول إلى الساحة.

العدد ٢٦ - ٢٠٢٠

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.