العدد ٢٥ - ٢٠٢٠

استقطاب «لاغيرنيكا»

التمثيل السردي العربي للوحة بيكاسو

شكّلتْ لوحة «لاغيرنيكا» لبيكاسو مصدرَ إلهامٍ للتشكيل العربي، عبر عقودٍ من المحاوَرة والجدل والسعي إلى إعادة صياغة الأثر. بَيد أنّ تجربة تمثيل هذه اللوحة في الروايات والسيَر الذاتية والرحلات والمذكّرات الشخصيّة العربيّة المعاصِرة، أظهرتْ سعياً لافتاً إلى إسكان هذا العمل الفنّيّ، وما يمثّله من أبعادٍ «غيريّة»، في مجازاتٍ تاريخيّة مختلفة، بقدْر ما مثّلتْ تأويلاً لفظيّاً يستقطبُ «لوحة إدانة المذبحة» إلى متخيّل الانكسارات العربية المتفاقمة.

لقد مثّلتْ «لاغيرنيكا» إلى حَدٍّ بَعيد نصّاً مثاليّاً للاحتجاج، وتشخيص الألم العاتي، المجرّد من تفاصيله البشريّة الظاهرة، بَيدَ أنّها استطاعتْ، قبل ذلك وبَعَده، أن تتجلّى في ذاكرة الفنّ، وأدبيّات الحروب، بوصْفها رمزاً للانتصار لقيَمٍ إنسانيّةٍ في طريقها إلى التلاشي، بعد تلاحُق المذابح، والتطهيرات العرقيّة، والتهجير القسري، عبر مختلف أصقاع العالم الحديث والمعاصر.

في مقطعٍ من كتاب المفكّر الإنكليزي «جون برجر» عن بيكاسو، يتحدّث عن تشكيل الألم المتعالي عن الواقعة الظرفيّة في هذه اللوحة، بما يحوّلها إلى خاصيّةٍ مركزيّة في التصوير، يقول:

«إنّ «لاغيرنيكا» عملٌ ذاتيّ على نحوٍ بعيد الغَور، وهي تستمدّ قوّتَها من هذه الصفة. إنّ بيكاسو لم يحاولْ أن يتخيّل الحدَثَ الفعليّ، فليس هناك مدينةٌ ولا طائراتٌ ولا انفجار، ولا إشارة إلى اليوم أو السنة أو القرن أو الجزء من إسبانيا الذي حدثَ فيه ذلك. وليس ثمّةَ أعداء يوجّه لهم الاتّهام، وليس هناك بطولة. إلّا أنّ العملَ يظلّ احتجاجيّاً وبوسْع المرءِ أن يعرفَ ذلك حتى ولو لم يكن مطّلعاً على تاريخه»1.

في هذا السياق تحديداً، لا يتجلّى سعيُ السرْدِ العربيّ المعاصر، إلى إعادة صياغة التحفةِ الغريبة، بإسكانها في بؤرةِ وقائعَ جغرافيّةٍ وتاريخيّةٍ وثقافيّةٍ مغايِرة، إلّا من حيثُ هو تَراسلٌ مع نزوعٍ تأويليٍّ عامّ، ما فتئ يفتحُ مجازاتِ اللوحة العملاقةِ على احتمالاتٍ تتعالى على تفاصيل السرديّات اللفظيّة المتضارِبة والكثيفة، ومن ثَمّ تحويل «غيريّتها» إلى سمةٍ مجرّدةٍ، ما دامت الملامحُ والصفاتُ الجسديّة وتقاسيمُ الكتَل الطبيعيّة تفارقُ أصولَها الواقعيّة. وسَرعان ما تنخرطُ في منطق «تذويتٍ» Intersubjectivité سرديٍّ لفواجعَ مستجدّة، فتَنوبُ عن المتكلّم في الرواية، أو السيرة، أو الرحلة، في تعرية تقاسيم الوحشيّة والقَسوة والجريمة.

ولعلّ اختيارَ جورج حنين، رائد السرياليّة المصريّة، أنْ يَطبعَ على ظهر «يحيا الفنّ المنحطّ»، البيان الأوّل لجماعة «الفنّ والحرّية» (١٩٣٨) صورةً للوحة «لاغيرنيكا»، أن يمثّل اللحظة الأولى لتغلغل اللوحة في الذاكرة الثقافية العربية، وسرديّاتها، بصدَد ما جرى في أوروبا غداةَ صعود النازيّة، حيث مثّل البيان ترجمةً سياسيّةً وأخلاقيّةً وفكريّةً لرغبة مجابهةِ نَزعة المصادَرة المتفجّرة مع أفكار التفوّق العرقيّ، كانت اللوحة هي البيان البصريّ عنها. في خلفيّة أسطرٍ يقول بعضُها ما يلي:

«من سيزان إلى بيكاسو وكل ما أنتجتْه العبقريّةُ الفنية المعاصرة، هذا الإنتاج كثير الحرّيّة وقويّ الشعور بالإنسانيّة، قد قوبل بالشتائم وديس بالأقدام. ونحن نعتقد أنّ التعصّب للدين أو الجنس أو الوطن الذي يريد بعضُ الأفرادِ أن يخضعَ له مصير الفنّ الحديث، ما هو إلّا مجرّد هزءٍ وسخرية»2.

لم تكن لاغيرنيكا إلّا رمزاً لنزعةٍ عربيّةٍ إلى التماهي مع الفنّ الحديث، وأساليبِه واختياراتِه الجماليّة، ونَزْعتِه الاختراقيّة التي لا تخلو من جوهرٍ ثوريٍّ، تلك النزعةِ ذاتِها التي جعلتْ عدداً كبيراً من أعضاء «جماعة الفنّ والحرية»، وفي مقدّمتهم جورج حنين، يَنتسبون لتنظيماتٍ شيوعيّة شتّى، وكأنّما في محاكاةٍ لانتساب بيكاسو نفسه للحزب الشيوعي الفرنسيّ، جنباً إلى جنبٍ مع أراغون وألتوسير وكوكبةٍ لامعة من المثقّفين والكتّاب والفنّانين الفرنسيّين.

ومن العبارات النادرة المنسوبة لبيكاسو، التي توخّى عبرَها اقتراحَ تفسيرٍ ما لعملِه الاستثنائيّ، قولُه سنة ١٩٤٥: «إنّ «لاغيرنيكا» لوحةٌ رمزيّة. إنّها محاولة لحلّ معضلةٍ إنسانيّة بواسطة الفنّ... لقد رغبتْ في التعبير ليس عن حدثٍ مخصوصٍ وحسْب وإنّما عن مأساةٍ كَونيّةٍ في شموليّتها»3.

ولعلّ تجرّدَ اللوحة من تاريخيّتها وإيغالَها في الإيحاء بالجريمة الخالصة، هو ما جعلَ التواؤمَ مع حدوسها واستشرافاتها البصريّة مسألةً كَونيّة غير محدودةٍ في الزمن، كما أنّ رحلتَها الطويلةَ من باريس إلى لندن إلى نيويورك، قبل أن تستقرّ في متحف الملكة صوفيا بمدريد، حوّلَها إلى أحدِ أكثر الأعمال سَفَراً وتنقّلاً بين الثقافات واللغات والأهواء السياسيّة، كما أنّ استعدادَها الدائمَ لاستقبال تأويلاتٍ نقديّةٍ من مَشاربَ فكريّةٍ شتّى، هو ما جعلَها تتجلّى، في كل مرّة، بما هي استعارةٌ مضيئةٌ في سرديّات الوجع العربيّ الممتدّ منذ منتصف القرن الماضي على الأقلّ.

bid25_noon_wal_qalam_majdouline_sharafeddine.jpg

من مجموعة متحف الملكة صوفيا، مدريد

من مجموعة متحف الملكة صوفيا، مدريد

تناظرات: تفاصيل من لاغيرنيكا

في الفصل الأخير من كتاب المفكر اللبناني فواز طرابلسي: «غيرنيكا - بيروت» يسطّر الكاتب مجموعةً من المَشاهد المتناظرة، حيث توضعُ أجزاء من اللوحة الضخمة في مقابل صوَرٍ من حياة الحرب اليوميّة في بيروت، وتفاصيلُ تجريديّة في مقابل نساءٍ وأطفالٍ وجُثثٍ تلتقطُ الفوتوغرافيا كل إيحاءاتها الصاعقة. في البداية نجدُ وجهَ المرأة الذي على شاكلة دمعةٍ والمعصم الممتدّ إلى أعلى قابضاً على قنديلٍ وهو تفصيلٌ من لوحة بيكاسو، في مقابل صورةٍ لفتاةٍ بيروتيّة سادرةٍ في الأفق فاغرةٍ فاها بصرخةٍ تعجَز الصورة عن كتْم حدّتِها وجحيميّتِها. وفي الأسطر أسفل الصورتين، نقرأ ما يلي:

«العيون شاهدتْ: جمَعوهُم في حسينيّة وجامع، وجمعوهُم أيضاً في كنيسةٍ وساحةٍ ومدينةٍ رياضيّة. توسّلَت الأيدي وتضرّعتْ، استوقفتْ واستحلفتْ وكم كانت مفجوعةً ويائسةً لغةُ الأيدي. العيون تشهد: العيون تبسملتْ بسملةَ الدّم. العيون رسمَتْ بالدم شارةَ الصليب. العيونُ شهدتْ»4.

وفي مشهدٍ لاحِقٍ يضعنا الكاتبُ أمامَ صورةِ المرأة مشروخةِ الساق، التي تتموقَع في وسط لوحة «لاغيرنيكا»، إلى جوار الفرَس الجريحة، هي الوحيدةُ التي تكتمل كتلتُها الجسديّةُ في اللوحة، وتشرئبّ بنظرها إلى الفانوس فوقَها، وإلى الشمس والسماء. وفي مقابلها صورةُ أمّ بيروتيّة تصرخ، فاردةً يديْها بين أطفالها الثلاثة، وأحدُهم يتشبّث بمعصمها وكأنّما في سَعْيٍ للاختباء من المجزرة. ويعقّبُ الساردُ في أسطرٍ تحتَ الصورتين:

«هاربة من مجزرة. هاربة إلى مجزرة. المرأة الدالية اقتلعتْ جذورها من الأرض وركضتْ... ومنها تدلّت عناقيدُ الفزع والغضب... الأقدامُ الحافية والإشاعة: علاقة عريقة وسباقٌ قديم. وفي نهاية الشوط ينتظر الجلاد»5.

وفي مقابل المرأة التي شوّهها الألمُ والعذابُ تلك المادّة يدَيها الاثنتين إلى السماء تَوسُّلاً واحتجاجاً، في فضاء اللوحة، تنتصبُ صورةُ جسدِ امرأةٍ من ضحايا الحرب الأهلية اللبنانيّة، شوّهتْه وعَبَثَتْ بحميميّته آلةُ القتل الجهنميّة، حيث يعلّق الكاتب:

«كانت تجلو الصحونَ، مثلما في سائر الأيام. مثلما تفعل أكثرُ من مرةٍ كلّ يوم. وكان يوماً مثل سائر الأيّام. يوماً من تَعَبٍ وضنى وغمّ. لا مياهَ جارية لديها... أشياؤها اليوميّةُ حوْلها... اغتصبوها قبل القتل. أحرقوا الوجهَ حتى لا ترى فِعْلتَهم، ثمّ صَلبوها... اختلط دمُها بالصديد وماء الغسيل. لكنّه ظَلّ يسعى نحو الزرع»6.

هل كان الكاتبُ، في كل تلك المقاطع المذيّلة للصوَر، المشحونةِ انفعالاً، يصف لاغيرنيكا أم نساءَ بيروت؟ لا ندري، كلُّ ما يتسرّب إلى وَعْي القارئ والناظر معاً، هو أنّ الوصف والتأويلَ، ينصرفان إلى بَيان الواقع، وكأنّما وضعتْ تفاصيل اللوحة المرئيّة لإضاءةِ الصوَر المقابِلة لها، وإخراجها من وَضْع الوقائع الخرساء إلى التبيين الخطابيّ والتأثير الصوَري.

والحقُّ أنّه لم تكن اللوحة الزاهدةُ في الألوان والمنحازةُ لتقنيّات الرّسم، والمرتكزةُ على قاعدةٍ تحريفيّة، امتداداً لنوازع السوريالية، سوى ذريعةٍ لتشريح همجيّة الحرب المحلّيّة، التي تخصّ أشخاصاً يتقاسمون الانتماء إلى الجغرافيا واللغة والعرْق، وتمركزتْ هويّاتُهم حول النُّواةِ طائفيةِ الأصل، شيء شبيهٌ بما جرى هناك في إسبانيا في ثلاثينيّات القرن الماضي، مع تنويعٍ جديدٍ يهمّ شراسةَ آلةِ الإبادة، وحجمَ الضحايا، وتَعدُّدَ الأطرافِ المتنابذين. لذلك تتجلّى سرديّة فوّاز طرابلسي القائمة على استيحاء «التّناظُر» بين التفاصيل الصوَرية، والتركيز على النساء، بوصفها تأويلاً جديداً لجداريّة الجريمة، يستقطِبُها إلى الداخل العميق للنساء البيروتيّات. وفي النهاية تتخايل إزاءَ كل مقارَنَةٍ، نسوةٌ مشوَّهات، قُدّتْ أجسادُهنّ من لَهَبٍ ورَماد، يَنظرْنَ إلى السماء، في صرخةٍ تكتسحُ تقاسيمَ الوجه. ثلاثُ نسوةٍ يختصرْنَ عالَماً لم يبْقَ فيه غيرُ النساء والأطفال بعدما طحنتْ رحى الحربِ اليافعين والكهول7.

وغيرَ بعيدٍ عن مقارَنات فوّاز طرابلسي سنتوقّف في هذه الدراسة عند ثلاثة مشاهد سِيَر - ذاتية لثلاث كاتبات عربيّات، قادماتٍ من شظايا الحرب وإعصار الثورة، صدرَتْ نصوصُهنّ السرديّة ما بين سنتَي ٢٠١٣ و٢٠١٧، أي ما بعدَ انتكاسةِ الانتفاضات العربية، وغَرَقِها في غيرنيكاتٍ يوميّة. المشهدُ الأوّل في نَصٍّ للرّوائية المصرية رضوى عاشور بعنوان: «أثقلُ من رضوى»، حيث تنتقلُ الكاتبة من وصْف مشهد الأحداث الدامية بشارع محمد محمود بالقاهرة إلى وصف لوحة «لاغيرنيكا»، في أزيَدَ من ستّ صفحات، مستعيدةً مشاهدَ الطلقات، والغاز المسيل للدموع، وقوّات الأمن المركزيّ، والجرّافات والحجارة، من خلال أصداء تَمثّلِها للبطش العاتي بأجسادِ نسوةِ لاغيرنيكا.

والمشهد الثاني في سيرة «زمن المتاهة» للكاتبة اللبنانية يُمنى العيد، ينوّع من تداعيات صوَر الحرب الأهليّة في بيروت، ممتزجاً بأطيافِ صوَر متداخلة في الذاكرة عن نساءٍ مختطَفاتٍ، يتيمات، متروكاتٍ للفراغ، تسلّمُ القارئَ بسلاسةٍ إلى حديثٍ عن لاغيرنيكا وتفاصيلِها المتوالدة في كتُب الفنّ والأدب والتاريخ. بينما يطّل المشهدُ الثالث من أفق المواجَهة الصاعقة بين الذاكرة وحقيقتها الرماديّة، في النّصّ الرحليّ للروائية العراقية لطفية الدليمي الموسوم بـ: «مُدني وأهوائي»، حيث تَنوبُ تفاصيلُ النسوةِ الثلاث الناظراتِ إلى أعلى في لوحة «لاغيرنيكا» عن الصمتِ القابض على وجدانِ القادمةِ من رَماد الحرب والاحتلال والاقتتال الطائفيّ في مدن العراق الجريح.

«أثقل من رضوى»: لاغيرنيكا ومركزية الصورة البديلة

في الفصل الخامس والعشرين من سيرة: «أثقل من رضوى»، للكاتبة المصريّة رضوى عاشور، يطالعُنا عنوان: «بَيان المذبحة»، وقد اختارَتْه الكاتبةُ لبَيان القصد من تلك الأسطر الوصفيّة الطويلة للوحة بيكاسو، وهي التقنية التي وَسمَها الأسلوبيّون ومؤرّخو الفنّ والأدب بتقنية «الإكفرازيس L’ekphrasis» وهو:

«وصف في مستوى ثانٍ، وتمثيلٌ لتمثيلٍ أصليّ... وكما في كل وصْف، تحدِّد نظرة الشخصية دائماً طبيعة الاكفرازيس، إنها الطريقة التي تتيح إدخالَ وتبرير الأوصاف بفضل إخراج مبأر على نظرة الشخصية أو مجموعة الشخصيات لـ«موضوعٍ» بذاته»8.

لهذا يلتبسُ تمثيل بيكاسو هنا بخطابِ الإدانة الجديد، الذي تفصله مسافةٌ زمنيّة وجغرافيّة معتبَرة عن الحدَث المحرِّك لبيان المذبحة الأصليّ. هكذا تبدأ الساردةُ باستعادة اللحظة الأولى التي شاهدَتْ فيها تحفةَ الرسام الإسباني في نيويورك، قبل أن توضح أنّ وصفَها لا يبتغي تحليل العمل الذي حَظيَ بأعمالٍ تحليليّةٍ ونقديّة ومقارَناتٍ لا تُحصى وعلى قدْرٍ كبيرٍ من التنوّع، في كل اللغات والثقافات الحديثة، مبيّنةً أنّ الحافز الوحيد لوصفها مجدّداً هو الاستجابة لحالة داخليّة، والتطهّر من مشاعر مرزئة9. تقول في خلاصة الوصف الطويل لتفاصيل اللون والكتَل والأحجام والضياء والخطوط:

«لا يصرف لنا الله مع كل حدثٍ كارثيّ فناناً بحجم بيكاسو ليقوم مفرداً بصياغة بيان المذبحة، يُشهد الناس عليها، يُشركهم في أهوالها. وإن كان يفعل ذلك على طريقة الفن: يوجز ويختصر ويجرّد، وهو يجسّد ويكثّف ويعمّم، حوّل الواقعة بقدرة قادر إلى كيان عابرٍ للأماكن والأزمان، ودلالاتٍ تنتقل رسالتها بين الخلق... قلتُ إني من محبي الغيرنيكا، ولكن ما الذي حملَها فجأةً إلى هذا النص؟ الحقّ أنني كلّما أردتُ الكتابة عن أحداث محمد محمود شعرتُ بقلّة الحيلة. لم أسمع بالخبر من الإذاعة كما حدثَ في حالة بيكاسو... يفصلُني عن شارع محمد محمود شارعان... يصلُني صوتُ طلقاته، أسمعه وأنا في بيتي»10.

تَخطّي الأثر الأوّل المتّصل بالعمل الفنيّ وتجريدُه من محدوديّة الشخصيّ والظرفيّ، من الرهانات الأساسيّة للتمثيل الروائي للّوحة، حيث تتخفّف جلّ المقاطع السرديّة لما جرى في أحداث قمع ثورة ٢٥ يناير، من أي إشارة إلى هويّاتٍ فرديّة أو مدينيّة، وتحوّلُ الشارع إلى علامةٍ على حدَث لا مجرّد اسم في خريطة القاهرة الضاجّة بالصخب، ومن ثَمّ عنواناً لدماء تتصادى مع كل تلك التي أراقَها العسكر في الثورات الإنسانية، وهي الخاصيّة التعبيرية التي تَسِم مجال رهانات «التذويت» الرامي إلى مَحو غيريّة المثال البصريّ، في الخطاب الجمالي للسيرة الروائية، وفي مرتكزات تصويرها للمشاهد والوقائع والأفكار.

في خطاب اللوحة الموصوفة بكلمات السارِدة ثمّة رغبةٌ في التذكّر والنسيان على حدٍّ سواء، تذكّرُ الخطاطات والمقاطع ونسيان المضامين، وتَطلّعٌ إلى محْو الخبر وتأثيل الرسالة. وهو التخطيط الطاغي الذي جعل الصوتَ السرديّ متردّداً في بيان القصد النهائيّ من استبعاد الصوَر المحفورة في الذاكرة لقمع انتفاضة شارع محمد محمود، وتعويضها بتفاصيل الجدارية العالمية، تمثيلٌ تتساكن فيه رغبةُ الإضمار بالإجلاء الملتبس، المتغلغل في وَهدة مَجازات مربكة.

وفي مقاطع متفرّقة من «أثقل من رضوى» تلحُّ السارِدةُ على أن علّتَها الشخصية (السرطان) المتزامنة مع الاحتواء التدريجيّ للثورة المصريّة، اقترنتْ لديها بصُوَر تنقّلٍ دائمٍ بين القاهرة ونيويورك، حيث ذهبتْ للعلاج، وهي المراوحة نفسُها التي تعيشها اللوحة في تفاصيل السيرة، بحيث تتجلّى في خلفيّة عددٍ كبيرٍ من الوقفات التأمليّة والمَشاهد المفعَمة توتُّراً ودراميّة، وكأنّما هي النُّواةُ الصلبة للمساحة الممتدّة لوقائع السيرة، المبنيّة على موضوعة الألم، من المرض إلى القهر إلى خَيبة الأمل في الثورة، إلى ألَم استحضار تفاصيل لوحةٍ تكثّفها وتختزلُها وتمنحُها معنى.

«زمن المتاهة»: اللوحة وتذويتُ الأثر

وفي سياقٍ سرديٍّ مختلفٍ يرتكز تمثيل لوحة «الآخر» بيكاسو على رغبةٍ في تذويت أثرِها، أي بجعْله فرديّاً وخاصّاً بالشخصيّة السارِدة قبل اللحظة التاريخيّة والخلفيّة الفضائيّة والثقافيّة، أي أنّ التذويت يتّصل بالأحرى بالذاكرة الذاتيّة المفرَدة وتعقيداتِها وأوهامِها وما تسعى إلى استعادته أو خَلقه من أثرٍ وإنتاجِه من معنى.

على هذا النحو الخاصّ تنبني سيرة «زمن المتاهة» للكاتبة اللبنانيّة يمنى العيد، على رغبة الخروج من ظِلال ملتبسةٍ في الذاكرة لوقائعَ حدثتْ وأخرى متخيّلة تعوّض فضاءاتٍ وشخوصاً وأمكنةً وأصدقاءَ ضاعوا مع الوقت، وانمحوا من شاشة الذهن. ومن رغبة الخروج من المتاهة تطلّ لوحة لاغيرنيكا، ضمن مقطعٍ سرديٍّ يصل بين زمنين وفضاءَين متنائيين، ما بين باريس السبعينيات وبيروت الحرب الأهلية.

تطلّ اللوحة من عدّة كوّات تخترق الذاكرة: «الحرب» و«باريس» و«وفاة بيكاسو» وكتاب فواز طرابلسي، وغياب مرثية بصرية لبيروت، فتبدو أشبه ما تكون بقاعدة الفعل التخييلي في المقاطع المتلاحقة عن الاغتراب والمنفى، وتأبيد الألم. تقول الساردة:

«أصوات الجيران تصل إليّ عبر الجدار، تعْلو الآن، أسمع كلاماً بالفرنسية... أتناول كتاب فواز طرابلسي: «غيرنيكا بيروت»... تحضر الغيرنيكا العملاقة التي كنت قد رأيتها تملأ الشاشة في المعرض السمعي - البصري الذي أقيم في باريس بعد وفاة بيكاسو... لا أعرف غيرنيكا لبيروت التي دمّرها الإسرائيليون عام ١٩٨٢، كيف تتحوّل المآسي مصدراً للإبداع؟... ما الذي يُمتعني في هذه الغيرنيكا التي أعلّق نسخة منها، مصغّرة، فوق باب غرفة نومي في بيروت؟ أهي الألوان والخطوط والأشكال وقدرة الفن على تحويل المأساة إلى جمال؟ وماذا عن الضحايا والفقدان؟...»11.

لا يَغربُ عن النظر أن الحضور «الغَيري» للوحة من حيث هي إبدالٌ خطابيّ، يقلبُ قواعد التفاعل بين الصوت الذاتي وتعيّنات الآخر في السرد، من حال: «التنابذ» و«فقدان التواصل»، و«الاغتراب» إلى «التذاوت» و«التناظر»، فيصير المعنى الملتبسُ في الذاكرة عن تزامن أحوال الهروب من الحرب البيروتية والمنفى الباريسيّ وجرائم النازية وانخراط بيكاسو في مناهضتها، قاعدة لاستعادة التفاصيل الصوَرية للّوحة، من حيث هي مثيراتٌ تخييليّة هادية لتمثّل الحالة الشعورية للصوت السرديّ.

لكنْ بخلاف ما كان عليه الأمرُ في سيرة رضوى عاشور حيث تحضُر اللوحة في مساحةٍ نصّيّة كبيرة، بوعيٍ ظاهرٍ بوظائفها في التبليغ، وتكوينِ الظلال المتوخّاة من مشهد القمع العسكريّ، في شارع محمد محمود، فإنّ توظيف لاغيرنيكا في وسط الفصل الأوّل من سيرة يُمنى العيد المعنْوَن بـ«بيت يا بيروت»، يضمرُ أكثرَ مما يُجلي، كما أنّه لا يستهدف استيضاحَ ألمٍ محلّيٍّ وتركيبَه في مقامٍ كَونيّ فحسب، وإنما العودة إلى التفكير في جوهر الخَلق الفنّي، وربط الإبداع بالانكسار والعذاب، ومن ثم يُضحي مشروعاً التساؤلُ عن غيرنيكات افتراضية لا وجود لها اليوم، وكان ينبغي أن تكون.

والشيء الأكيد أن اللوحات الخالدة تعثرُ دوماً على موضوعاتها القديمة ولحظات تكوينها وكُتل الأحاسيس التي صاحبتْ ولادتها، مهما تغيّرَ الزمن، وتبدّلت السياقات، فتوقظ في كل مرة أحاسيس التطابق مع وضعيّات لم تدُرْ بخلد الرسام يوماً، فتتجلّى كذخيرة كان من اللازم وجودُها كعلامةٍ هادية.

«مُدني وأهوائي»: رَوحنة أشلاء «لاغيرنيكا»

وعلى خلاف ما جرى في ثنايا السرد الذاتي لرضوى عاشور ويمنى العيد من تحويل اللوحة إلى مركزٍ مهيمن، يعيد إنتاج صور بديلة، تنوب في تشخيص مواقف الألم والعنف، وتذويت أثرها بحيث تتقمّص بؤرةَ التذكّر، وتلتبس بخيالات الاستعادة، فإنّ «لاغيرنيكا» في النّصّ الرحليّ للكاتبة العراقية لطفية الدليمي الموسوم بـ«مدُني وأهوائي»، تضمر روحاً خفيّةً تلمْلمُ الأشلاء في كتلة تتّخذ هويّة «آخر» حيّ وناطق، يحوّل موقف المشاهدة إلى سِفرٍ عاطفيّ في الداخل اللا مرئيّ للأجساد والكُتل والألوان والضياء.

تقول الساردة في تصوير تجربة الوقوف أمام اللوحة في القاعة ٢٠٦ بمتحف الملكة صوفيا بمدريد:

«كانت الغيرنيكا بألوانها الرمادي والأبيض والأسْود وشموخها تعطي انطباعاً بانتصارها على النازيّة، التي حرمتْ أعمال بيكاسو لتمثيلها الأعراق الدنيا من البشر. تساءلتُ أمامها: كم من الغيرنيكات لدينا؟ انهمرتْ دموعي أمام وجوه نسائها الثلاث، التي تحتلّ مركز اللوحة: المرأة التي تحمل المصباح، والمرأة الصارخة، والثالثة الهاربة، ولمّا رأت الغيرنيكا دموعي المتساقطة على الرخام اللامعِ، رأيتُها تقترب مني متخطّيةً حاجز الحبل الأخضر، ويلتمع شعاع في مصباحها المحطم على وجهي لتقول لي : الفن ينتصر للإنسان والجمال والسلام على مرّ الزمان»12.

وعليه فإذا كانتْ مفارقة الأصل، والارتحال عبر الزمن والفضاء، للبحث عن الـ«مثيل» والـ«المغاير» في عوالم الآخر، قد شكّلتْ حافزاً مركزيّاً لتبلورَ سرديّةَ السفر في الثقافة العربية المعاصرة، ومثّلتْ إحدى الدعامات الأساسيّة لنشأة الأصول الروائيّة العربيّة الأولى ، فإنّ جسدَنَة اللا مرئيّ وَروحنة المرئيّ، وتشخيص المكان، وتجريد النماذج البشريّة، باتتْ من السمات التخيليّة لمبنى التفاعل في عددٍ كبيرٍ من النصوص، ولعلّ في الصيغة الدراميّة التي تصوّرُ بها الكاتبةُ العراقية لحظةَ مشاهدتِها «لاغيرنيكا»، أن تمثّل عَينة من هذا الزيغ البلاغي. فلم يكن الأسلوب مهموماً بوصفِ العمل أو تأويل تفاصيله، بقدْر ما كان مشغولاً بالانتقال به لمحاورة عشرات الصوَر المطمورة في الذاكرة، لأجسادٍ عارية وأخرى مسحولةٍ وثالثة محترِقة أو مصلوبة، أو مفصولة الرؤوس والأطراف، في عشرات المدن والقرى العراقية التي لم تحمل اسم «لاغيرنيكا»، ولم تخلّدْ في أعمالٍ فنّيّةٍ شهيرة، وإنما حملتْها إلى المتلقّين آلافُ التسجيلات الوثائقيّة والصور المبثوثة عبر وسائط الاتّصال.

لهذا كان في فعل المشاهدة هنا ما يوحي باحتجاجِ الساردة تجاه اللوحة الشهيرة، التي تكشف وتحجُب في الآن ذاته، تعرّي التوحّش المجرّد، وتداري ملايين الغيرنيكات اللواتي تساءلت عنهنّ الساردة، في لحظة غارقة في الهشاشة والدموع والعجز عن الاسترسال.

تركيب

في تعبيرٍ للروائي التركي أورهان باموك يرى أنه: «لم يواجه صعوبةً في فهم سعي الروائيّين الكبار... ليكونوا مثل الرسّامين، أو لماذا يغارون من فنّ الرسم، أو لماذا يأسفون على أنهم لم ينجحوا في الكتابة «مثل رسام». لأنّ مهمّة كتابة الرواية هي تخيّلُ عالَم يبدأ كصورةٍ قبل أن يأخذ شكل كلمات في النهاية»14، ولعلّ مسعى عدد كبيرٍ من الروائيين العرب إلى أن يسكنوا لوحة «لاغيرنيكا» في تفاصيل تَخاييلهم السرديّة ليس شيئاً آخر سوى تحقيق هذا الحلم القديم لجعل الكتابة تنطق كالصور.

هكذا كانت «لاغيرنيكا» قاعدةً للرؤية والتخييل، ووسيلة لاختصار المسافة، في قول المُرعب والحادّ والجهنمي، بأبلغ الصور الممكنة، في الآن ذاته التي استمّرت فيه في المثول بما هي رمزٌ خالد، لتجريد الجريمة من تاريخيّتها، وظرفها المحلّيّ، وإدانة مطلق نوازع القتل الجماعي، المسترسلة في التاريخ الحديث والمعاصر في أغلب بلدان العالم العربي.

  • 1. بابلو بيكاسو: نحاحه وإخفاقه، ترجمة: فايز الصياغ، منشورات المنظمة العربية للترجمة، بيروت، ٢٠١٠، ص ٢٣٩
  • 2. انظر نص البيان في صيغته الطباعية الأصلية، ضمن موقع جامعة زيوريخ على الشبكة: https://www.khist.uzh.ch/de/studium/master/global/teach/kgkfs19.html
  • 3. نقلاً عن فواز طرابلسي، غيرنيكا بيروت: الفن والحياة بين جدارية لبيكاسو وعاصمة عربية في الحرب، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ٢٠١١، ص ١٨٥
  • 4. المرجع نفسه، ص ٢٨٦
  • 5. المرجع نفسه، ٢٧٨
  • 6. المرجع نفسه، ص ٢٨٤
  • 7. لهذا لم أستغرب لما وقفتُ للمرة الأولى أمام اللوحة الأسطورية، حين وجدت بجواري جمهوراً نسائياً في أغلبه، كانت القاعة ٢٠٦ من الرواق السادس في متحف الملكة صوفيا للفن المعاصر بمدريد مخصصةً للوحة وحدها، مع صور لتخطيطاتها الأولى، التقطت في مرسم بيكاسو الباريسي، الذي كان مخترقاً بالنساء، أرّخت الفوتوغرافية الشهيرة لـي ميلر وجوه بعضهنّ، فبرزن كتحف ضمن معرض يتوسّطه الفنان الاستثنائي
  • 8. Florence Raynié, «Du pinceau à la plume, de la peinture à la prose»، Textes réunie par Fabrice Parisot, Narratologie N° 6, Littérature et représentetion artistique, L’Harmattan, Paris, 2005, p.95
  • 9. تقول في مقطع الوصف التفصيلي الطويل ما يلي: «رأيتها للمرة الأولى في زيارة ليوم واحد لمدينة نيويورك، ضمن رحلة لطلاب الجامعة. تسمّرتُ أمامها كأن ساقيّ قرّرتا أن تجاورا في المكان... أتحدّث عن «الغيرنيكا» لوحة بيكاسو التي رسمها بعد سماعه بقصف الطائرات الألمانية لقرية الغيرنيكا في إقليم الباسك... أعرف أن مسعايَ للكتابة عن لوحة بيكاسو، فيه جرأة أقرب للتهوّر، إذ حظيَت اللوحة بكتابات لا حصر لها... لكنّني، لسبب أو آخر، أريد أن أحكي عن اللوحة... ستلاحظ أول ما تلاحظ أنها بالأبيض والأسود وبينهما رماديّ تشوبه زرقة خفيفة. لا ألوان أخرى في اللوحة... حجمها ثلاثة أمتار ونصف في سبعة أمتار وثمانين سنتيمترا... تتكوّن من ثلاث وحدات أو مقاطع، مقطعان طوليان في الجانبين، يتوسّطهما مقطع أعرض وإن كان بنفس الطول. في أقصى اليسار رأس ثور، تحته مباشرة امرأة تحمل ابنها القتيل. رأسها على خلفيّة جسد الثور الذي تحمله قوائم مستقيمة ثابتة على الأرض. تحت المرأة مباشرة ذراعُ فارس قتيل تبرز أصابع يده، غليظة منتفخة. أما رأسه، فإلى يمينها قليلاً، يذيّل جسد الثور وإحدى قائمتيه الأماميّتين. رأس الثور والمرأة ووليدها القتيل وذراع الفارس، لونها أبيض. جسد الثور وحده ملوّن بالأسود، درجتين من الأسود، قوائمه أكثر سواداً من جسده. أما ذيله الأشبه بشعلة نار فَلونه أبيض. خلف فخذ الثور وإحدى قائمتيه الخلفيتين مستطيل رمادي، كأنه بابٌ يشغل ثلثه الأعلى الذيل المشتعلُ. في الجانب الآخر من الصورة، إلى يمين الناظر، مستطيل آخر فيه امرأة تستغيث، تسقط على الأرجح. ترفع يديها عاليا باتجاه طاقةٍ مربّعة صغيرة. يعلوها ما يشي بأنه ألسنة لهب، وتحتها أيضاً، إلى اليمين قليلاً. أسفل المستطيل، بمستوى الفارس القتيل وذراعه الممتدّة، ساق وقَدم تمتدّ حركتهما الراكضة باتجاه مركز اللوحة. أصابع القدم غليظة متورّمة (كأصابع يد الفارس القتيل في الناحية الأخرى)، والركبة مثلّثة كأن الركض المفزوع حولها إلى كتلة منتفخة
  • 10. مركز اللوحة بين المستطيلين هو الوحدة الأكبر في التشكيل، يمينها وجهان لامرأتين مندفعتين. المرأة الأعلى وجه مندفعٌ باتجاه اليسار، مجرّد وجه لا جسم له، أقرب في شكله إلى دمعةٍ كبيرة، يميل الوجه خفيفاً إلى أسفل كأنّه ينوء بالذراع التي تعلوه، تتجاوز الذراع الوجهَ في الاتجاه نفسه، تحمل في يدها مصباحاً، تقبض عليه بقوّة. تحت الوجه / الدمعة، المرأة التي خلّفت قدمها وساقها في يمين اللوحة، تركض، يحدّد ركضها شكلُ الجسم والوجه والعنق الممدود إلى قلب اللوحة ومركز الحدث. يعلو هذا المقطع مصباحٌ له شكل عين، يحيط به ما يشبه أشعّة الشمس، فيحوّله إلى ثالوث: شمس / عين / مصباح...تحته رأس حصان يلتفت يساراً. فمه مفتوح واسع، يكشف عن أسنانه ورأس حربة صغيرة استبدلت باللسان. في جسده رمح نافذ يشقّه. تنثني إحدى قوائمه، تنكسّر على الأرجح. يوشك أن يسقط. تحت القائم المنثني أو المكسور، بمحاذاة ساق الحصان القائمة، الذراع الثانية للفارس القتيل، جزء مفصول عن كلّه، جسداً كان أو تمثالاً، بيده نصْل مكسور ووردةٌ هشّة.وفي خلفيّة الصورة مربّعات ومثلّثات وزوايا حادّة لأشكالٍ هندسيّة، بيضاء أو سوداء أو رمادية، أبرزُها مثلّث كبير، هرميّ الشكل تبدأ قمّتُه من أسفل الشمس / العين / المصباح، ويمتدّ ضلعاه حتى أسفل الصورة. يشمل المرأة الراكضة ويبقي ذراعه ويده المتورّمة خارجَها...»، انظر: رضوى عاشور، أثقل من رضوى، دار الشروق، القاهرة، ٢٠١٣، ص ٢٩١ - ٢٩٥
  • 11. المرجع نفسه، ص ٢٩٥ - ٢٩٦
  • 12. يمنى العيد، زمن المتاهة، دار الآداب، بيروت، ٢٠١٥، ص ٤٩ - ٥١
  • 14. انظر في هذا السياق: - شرف الدين ماجدولين، الفتنة والآخر، أنساق الغيرية في السرد العربي، الدار العربية للعلوم، بيروت، ومنشورات الاختلاف - الجزائر، ٢٠١٢، ص ٨١
العدد ٢٥ - ٢٠٢٠
التمثيل السردي العربي للوحة بيكاسو

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.