العدد ٢٢ - ٢٠١٩

مذكّرات جارالله عمر 7

التعدديّة، أم النفط، أم الوحدة الفوريّة؟

النسخة الورقية

الوحدة قبل النفط

ظهر النفط، المسيّل خصوصاً، بكمّيّات تجاريّة في الجنوب. والجنوب على وشك أن يصبح دولةً نفطيّة ينتج أكثر من الشمال. وقد بادرت الدول الخليجيّة، السعوديّة خصوصاً، للانفتاح على الجنوب وتقديم المساعدات له. وأذكر عرضاً غير رسميّ بأنْ يسدّد المغتربون في الخليج وتحديداً في السعوديّة ديونَ عدن.

هل كان هناك تنافسٌ في هذا المجال بين السعوديّة والجنوب تحديداً؟ كلّا لم يكن هناك تنافس لأّن الجنوب الجديد يمكن أن يقوم بدورٍ لا تستطيع السعوديّة القيام به، والسعوديّة أرادتْ إقامة علاقة مع الجنوب خصوصاً أنّها لم تنجح في علاقةٍ أقامتْها مع الشمال لأنّ القبائل كانوا يأخذون منها الأموال ويخدعونها. أراد السعوديّون منفذاً تجاريّاً على البحر العربيّ. كان بإمكان عدن أن تكون ذلك المنفذ حيث عدن مدينة حديثة ومعاصرة، والسّعوديون يعيشون في كبت ويبحثون عن متنفّس، كان بإمكان عدن أن تكون منطقةً سياحيّة ومنفذاً إلى العالم والعصر.

خضع الأمر للنّقاش داخل الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ، وكان الحديث عمّا نريد من الدولة في الجنوب. وأذكر أنّ علي البيض وآخرين قالوا بصريح العبارة: ينبغي أن نسرع بإقامة الوحدة اليمنيّة قبل أن نصبح دولةً نفطيّة. كانت هذه نقطةً مهمّة جدّاً. حمل علي سالم البيض هذا الرّأي الّذي وافقناه فيه فقد أردنا أن تقوم دولة الوحدة قبل أن يصبح الجنوب دولةً نفطيّة، فالشعب في الجنوب وكثيرٌ من الناس سيعارضون قيام الوحدة وسيرغبون في أن تكون عدن والجنوب واحدة مثل الدّول الخليجيّة الصغيرة، أيْ بلداً يبلغ عدد سكّانه مليوناً ونصف المليون أو مليونين ويملك ثروةً نفطيّةً لكنّه لا يملك سكّاناً. يمكن أن يعيش هؤلاء في رفاهية، لكنّ هذه الأمور لا تبني مشروعاً أو وطناً أو دولةً أو نهضة.

ثمّ إنّ مشكلة هذا المشروع أنّه صغير وقد رغبنا بمشروع كبير. قد يقول البعض إنّنا حالمون وخياليّون وقد يقول آخرون إنّ دولة لوكسمبورغ صغيرة لكن سكّانها سعداء، أو سويسرا أو النّرويج أو سنغافورة إلخ. لكنّ هذا ما دار في أذهاننا يومها، وكنتُ واحداً من الذين فكّروا فيه. لكنْ أذكر أنّ علي سالم البيض طرَح هذه الفكرة وهو لا يستطيع التّحدّث الآن كما أنّه ليس مرتاحاً منّي ولا إليّ ولا تعجبه أفكاري. وعلى الرّغم من ذلك أريد قول الحقيقة. قال علي سالم البيض إنّه إذا ظهر النفط فربّما يصبح هناك دولة صغيرة تزدهر مؤقّتاً، لكن ليس المستقبل لهذه الكيانات الصغيرة بل هو لمشروعٍ كبير. وبرأيي، المشروع الكبير الذي يمكن أن يستمرّ ليس اليمن الحالي، فحتى اليمن الحالي صغير يتعدّد ويتطوّر، المهمّ أنّ فكرة الوحدة مرتبطة بالتنمية والتطوّر والمشروع التوحيديّ العربيّ، أي أنّ المشروع التوحيديّ العربي موجودٌ في أعماقنا وثقافتنا وجذورنا وطفولتنا. وبناءً على هذه الخلفيّة كان الجنوب مستعدّاً وجاهزاً ولكن بآراءَ مختلفة.

الوحدة بجلسةٍ واحدة

وفي تشرين الثاني / نوفمبر من العام ١٩٨٩ زار الرئيس علي عبد الله صالح عدن حاملاً مشروعاً لتوحيد اليمن على أساس فيدراليّ أي توحيد القوّات المسلّحة للشّطرين وتوحيد الشخصيّة الدوليّة، ما يعني أن يكون هناك فيدراليّة، كيان يجمع الدّولتين أي دولة اتحاديّة.

وكان الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ قد حمل مشروع التدرّج - الكونفدراليّة بناءً علي التوصيات التي تتضمّنها وثيقةُ الإصلاح الاقتصاديّ والاجتماعيّ الشامل - وبعدها ننتقل إلى الوحدة. عقد علي عبد الله صالح محادثاتٍ مع علي البيض. عرض عليه الأخير الوحدةَ الكاملة على أساس الدستور الذي اقترحتْه اللّجنة الدستوريّة في العام ١٩٨١ بدلاً من الكونفدراليّة والفيدراليّة، واقترح فترةً انتقاليّةً تعلَن بعدها الدولة الموحّدة. وكانت اللّجنةُ الدستوريّة قد أنجزتْ هذا الدّستور خلال فترة حكم علي ناصر محمّد. وعلينا الاعتراف بأنّ آخرين ساهموا في صياغة هذا الدستور. وكان لبعض الشخصيّات دورٌ في تحقيق الوحدة اليمنيّة كعبد الفتاح إسماعيل ومحسن العيني والقاضي عبد الرحمن الأرياني وغيرهم، أي كلّ الشخصيّات اليمنيّة في الشمال والجنوب، وقد كان علي عبد الله صالح وعلي سالم البيض سبّاقين.

مهما يكن، اقترح البيض أن نفعّل دّستور العام ١٩٨١ الموجود في الأدراج والمتّفق عليه ونعمل به، وأن يكون هو دستور الدولة الموحّدة. وبالفعل، اتّفقنا بعد ذلك على هذا الأمر.

لماذا تخلّى علي سالم البيض عن فكرته بالتّدرّج في قيام الوحدة؟ هكذا هي طبيعته، يبدو لي أنّه أراد أن يكون صاحب الدّور الأبرز في تفعيل الدّستور قبل أن يسبقه إليه آخر. وافق علي عبد الله صالح على المقترح وهنا وقعتْ مشكلة بعدما اتّخذ علي البيض هذا القرار تلقائيّاً على الرّغم من امتلاك الحزب رأياً قد حُدّد مسبقاً.

قبل أن يذهب إلى عدن، استشار علي عبدالله صالح علي ناصر محمّد [الموجود بما هو لاجيء سياسيّ في صنعاء] عمّن يمكن أن يتفاهم معه من أعضاء المكتب السياسيّ وأعضاء الحزب بشأن الوحدة. أجاب علي ناصر - كما قال لي بنفسه في ما بعد - أنّ «هناك شخصاً يمكن التّفاهم معه هو الشخص الذي لا أنا أحبه ولا أنت تحبّه. لكنْ إذا أردت قضيّة الوحدة، يمكنك الاتّصال بجار الله عمر ومناقشته لأنّه شخصٌ محترمٌ ومؤثّر ويفقه السياسة»، فقال صالح: «ما إنت كنت تقول إنّك ما تحبّش جار الله عمر»، فأجاب: نعم ولكن هذان أمران مختلفان، «أنا وأنت ما نحبّهوش»، لكنّه شخصٌ مؤثّر وله دورٌ في المكتب السياسيّ، حاوِل أن تتّصل به وتقنعه في المناقشات. لكنّ جار الله يحمل هموماً معيّنة كقضيّة الديمقراطيّة والتعدّديّة السياسيّة، وهذه مسألة مهمّة لديه.

عندما انتقل علي عبد الله صالح وعلي البيض إلى قصر الضيافة في المعاشيق، لمناقشة الفكرة المتّفق عليها، أبدى علي عبد الله صالح رغبةً في لقاء جار الله عمر، وهذا الكلام موجودٌ في كتاب علي محمّد الصراري. استغربتُ عندما دعوني، وقد ذهبت إلى قصر الضّيافة في معاشيق أنا والأخ يحيى الشامي، وكنّا أوّل من زار الرّجُلين بعد اتّفاقهما على الوحدة. طلب علي عبد الله صالح أن نجلس ففعلنا. حكى لنا ما حصل راجياً أن نسمع. قال إنّهما اتّفقا على الوحدة والدّمج، ثمّ التفت نحوي وقال: أعرف ما تريده أنت، تريد التعدّديّة وهي من حقّك، أنا أتعهّد بأنّنا سنبني الدّولة على التعدّديّة والديمقراطيّة كما تقترحون، وأنا مستعدٌّ لإعلان التعدّديّة ولتتفضّل أنت ويحيى الشامي والآخرون بعد الاتّفاق بالذّهاب إلى صنعاء، تحاوروا مع النّاس وناقشوا واطرحوا أفكاركم ولن أمنعكم. هذا بالطّبع بعدما كنّا مطلوبين من قبل. عقدوا فيما بعد محادثاتٍ وحاولوا التّراجع عن فكرة الديمقراطيّة. استمعنا ولم نقل شيئاً سوى القليل عن الديمقراطيّة، ثمّ انسحبنا.

بعدذاك جاء يحيى العرشي، وهو وزير الدولة لشؤون الوحدة من الشمال، وراشد محمّد ثابت وزير الدولة لشؤون الوحدة من الجنوب، لصياغة البيان. وأبلغ علي سالم البيض أعضاء المكتب السياسيّ بأنّنا اتّفقنا مع علي عبد الله صالح على الوحدة. وقد أراد فدرالية أمّا علي البيض فأراد الوحدة فوراً. أراد علي عبد الله صالح والمسؤولون الشماليّون التّخلّص من ثلاثة أشياء:

١ أن لا يكون هناك شخصيّة لدولة في الجنوب

2 أن لا يكون هناك جيش جنوبيّ

3 التخلّص من الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ

هذه ثلاثة أشياء مهمّة والباقي سهل. إلى جانب ذلك، اعتبر المسؤولون الشماليّون أنّ الشمال هو الأصل بسبب كثرة عدد سكّانه، وأنّه سيتمّ استيعاب الجنوب واحتواؤه. هنا حصل ارتباكٌ في المكتب السياسيّ. فوجئ البعض ودُهش البعض الآخر بالسرعة والكيفيّة التي تمّت بها الوحدة. فجرى تذكيرهم بأنّ هناك فترة انتقاليّة لمدّة ستّة أشهر. من جهتي، لم أحضر اجتماعاً للمكتب السياسيّ قبل المؤتمر الصحافيّ الذي تمّ فيه الإعلان عن الاتّفاق. حضر أعضاء المكتب السياسيّ المؤتمر الصحافيَّ. أمّا أنا، فلم أحضر لأنّنا كنّا لا نزال في وضع سرّيٍّ داخل المكتب السياسيّ [يقصد الوضع السرّي للقادة الشماليّين في المكتب السياسيّ للحزب الاشتراكيّ في الجنوب]. أذيع الاتّفاق وبعد ستّة أشهر تمّ الإعلان عن الوحدة.

رأس علي سالم البيض اجتماعاً للمكتب السياسيّ غلبتْ عليه الدّهشة والحيرة و... الفرح. قال له بعضهم إنّه تصرّف خارج المؤسّسات وإنّه قرّر من دون العودة إلى المكتب السياسيّ، أمّا البعض الآخر فاعتبر أنّ الوحدة الاندماجيّة ليست جيّدة وأنّ الفدراليّة أفضل وأنّنا لو أخذنا برأي علي عبد الله صالح لكان أفضل. وكان هذا رأي الأخ فضل محسن عبد الله.

باختصار، تحفّظ أعضاء المكتب السياسيّ على طريقة علي سالم البيض إذ اعتبروا أنّ الاتّفاق يخالف الدستور وأنّه لم يراعِ الوثائق وأنّه يجب أن يكون هناك مؤتمرٌ واستشارات ولا بدّ من المناقشة المسبقة. غير أنّهم لم يعارضوا الوحدة بل عارضوا الطريقة التي اتّبعها علي البيض في الاتّفاق عليها، أما نحن فوافقنا بأغلبيّةٍ على الخطوة التي اتّخذها بعد مشاوراتٍ كثيرة. وممّا قاله علي البيض «إذا لم تقبلوا بما اتّفقت عليه فسأقدّم استقالتي»، وكان جادّاً. لقد هدّد بالاستقالة ونحن تراجعنا كما فعل مَن وافق بسبب تهديده بالاستقالة، لماذا؟ لأنّهم كانوا يفتقرون إلى البديل. ثمّ إنّ مسألة الوحدة مع الشّمال والتّراجع عنها ستقسم الحزب لأنّ الأغلبيّة الساحقة ساندت الوحدة. وكان من أكثر المتحفّظين المرحوم سعيد صالح سالم، وزير أمن الدولة، وصالح منصر السييلي، وزير الداخليّة.

وكان علي عبد الله صالح عندما نزل إلى عدن، استقبله المواطنون استقبالاً حافلاً، فطلب أن يلقي خطاباً أمام الجماهير، قائلاً: إن لم تقبلوا الاتفاق [على الوحدة] سألقي خطاباً هنا في عدن. لكنّ قيادة الحزب اعتذرتْ منه عن إلقاء الخطاب على اعتبار أنّ الجماهير في الجنوب تريد الوحدة كما هو حال المواطنين في الشمال، ذلك أنّ الوحدة ستخلّصهم من الأوضاع القائمة.

إلى الوحدة الاندماجيّة

بعد ذلك دُعيت اللجنة المركزيّة للحزب إلى الانعقاد ووافقت على الاتّفاق كلّه، وعلى وثائق الدولة الجديدة وتغيير النظام في الجنوب والسماح بالتعدّدية السياسيّة فيه وإعلان حرّيّة الصحافة. لكن هذا، في رأيي، جاء متأخّراً لأنّ هذه الإجراءات جاءت قبل الوحدة بفترةٍ قصيرة ولم يكن أمام النظام في الجنوب وقتٌ كافٍ لتقديم نفسه كنظامٍ ديمقراطيّ متفرّد.

بين الهواجس الخفيفة التي انتابتني هاجس أنّ النظام في صنعاء يكذب ولن يفي بالعهود. فمن خلال تجربتي كمعارضٍ للنّظام في صنعاء أعرف هذا الكلام جيّداً وأدرك كيف كنّا نتّفق معهم ولا ينفّذون شيئاً. لكنّ فرحتي بالوحدة وبأنّي سأعود إلى صنعاء وإلى قريتي بحرّية طغتْ على هذه الهواجس وكنتُ على ثقةٍ من أنّ الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ أقوى. وكان لدينا اعتقاد أنّهم يمتلكون حزباً، وأنّنا نمتلك جيشاً قدْر ما لديهم جيش، لكنّ لدينا مؤيّدين من أعضاء الحزب وأنصاره في الشمال، أمّا هم فلم يكن لديهم أحدٌ في الجنوب. أعطتنا هذه العوامل ثقة كبيرة، أمّا أنا فقد ملأتْني بالتّفاؤل. وأمّا هواجسي فقد عبّرتُ عنها من خلال بعض التّساؤلات تقول إن حكّام الشمال يعيشون في مجتمعٍ قَبَليّ ولا يهمّهم غير الحفاظ على السّلطة. ولا يوجد نظامٌ أو قوانين لديهم. لكنّنا اعتقدنا أنّ موازين القوى ستتغيّر وسنبني دولةً جديدة. اعتقدنا ذلك لأنّنا أصحاب البرنامج والخيار السياسيّ.

لا الجنوب ألمانيا الشرقيّة ولا الشمال ألمانيا الديمقراطيّة

هنا بدأتْ مرحلةٌ جديدة تلتْ إعلان الاتّفاق. انطلقتْ مفاوضاتٌ جديدة تمحورت حول نقطتين:

الأولى: تتعلّق بمصير النظام السياسيّ وشكله. كيف سيكون؟ أحزاباً عدّة؟ حزبين كبيرين؟ ما مصير الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ والمؤتمر الشعبيّ العامّ؟ وقد تشكّلتْ لجنة رسميّة، «لجنة التنظيم السياسيّ»، من الجنوب برئاسة سالم صالح محمد ضمّت سيف صائل وآخرين، ومن الشمال برئاسة عبد العزيز عبد الغني، ناقشوا شكل النّظام السياسيّ، وقد طرحت بدائل عدّة. الأوّل دمج المؤتمر الشعبيّ العامّ والحزب الاشتراكيّ اليمنيّ في تنظيمٍ واحدٍ، وهذا مقترح صنعاء. الثاني حلّ الحزبَين واعتماد التعدّديّة والسماح للأحزاب الأخرى بأن تعلن عن نفسها. الثالث ترك الحزبين على حالهما وإجازة تشكيل الأحزاب الأخرى، وكان هذا مقترح الشمال.

ثانياً: الفترة الانتقاليّة. أرادتْ صنعاء أن تكون الفترة الانتقاليّة طويلة، لمدّة سنتين، وفي النهاية تمّ الاتّفاق على مرحلةٍ انتقاليّةٍ مدّتُها ستّة أشهر. وافق النظام في صنعاء على اختصار الفترة الانتقاليّة مخافةَ أن تحصل تطوّراتٌ عالميّة أو داخليّة تؤجّل العمليّة الوحدويّة، فقد تملّك صنعاءَ في العمق قلقٌ على بقاء النّظام في الجنوب، فأرادوا ان يستعجلوا إلغاءه.

أمّا «لجنة التنظيم السياسيّ» فقد اختارت بقاء الحزبَين كما هما والسماح للأحزاب الأخرى بالإعلان عن نفسها. اعتقدنا أنّ هذا الخيار هو لصالحنا لأنّ الحزب الاشتراكيّ موجود ولم نؤيّد حلَّه، وقد أيّدنا القرار أيضاً لأنّنا مع التعدّديّة، فمن أراد أن يكون له حزب فليتفضّل. كنّا نعتقد أنّ الحزب الاشتراكيّ هو أكثر قدرةً على العمل والبقاء من المؤتمر الشعبيّ. وقد قبلتْ صنعاء هذا الخيار لأنّه كانت لديهم خطّة كما لديهم استعداد ونفسٌ طويلٌ للاستيعاب. لسان حالهم: «الآن أيّ شيء، ونستوعبهم فيما بعد. كل هذا مسألة تكتيكيّة مؤقّتة، دعوهم يأتون إلينا ولنسمح لهم بالحزب وبأيّ شيءٍ فالمهمّ أنْ ينتهي النظام السياسيّ في عدن، هم قلّة ونحن كثرة، نرتّب أمورنا بعد ذلك».

كانوا يفكّرون على الطريقة الألمانيّة إذ اعتقدوا أنّ الوضع يشبه حال ألمانيا الديمقراطيّة وألمانيا الغربيّة: هناك نظام صغير وآخر كبير. وإذا نظرنا إلى المسألة جيّداً نرى أنّه لم يكن هناك ألمانيا شرقيّة وألمانيا غربيّة على الإطلاق. ألمانيا الغربيّة بلدٌ متطوّر جدّاً، وصنعاء لا تطوّر فيها ولا رأسماليّة، ولا قدرةَ لديها على شراء ألمانيا الشرقيّة. وكلّ مواطنٍ في ألمانيا الغربيّة يدفع سبعة في المئة من مرتّبه من أجل تطوير ألمانيا الشرقيّة. لكن في صنعاء، أو الشمال في الشمال عموماً، هناك كثافة سكّانيّة ولكن ليس هناك من تطوّرٍ نوعيٍّ. كما أنّه لا اشتراكيّة في عدن ولا رأسماليّة في صنعاء. والوضع في ألمانيا الشرقيّة والغربيّة مختلف. الوضع في اليمن فيه تماثلٌ أو تشابهٌ في التخلّف، لم يطوّر أحدٌ أحداً. هناك اختلافٌ بين الشطرين من حيث وجود نظامٍ إداريٍّ وقانونيٍّ وثقافيٍّ أفضل في الجنوب، لكن يوجد تماثلٌ اقتصاديٌّ واجتماعيٌّ بينهما.

محاولات شقّ الحزب الاشتراكي

بعد اتّفاق ٣٠ تشرين الثاني / نوفمبر ١٩٨٩ انطلقنا نحو الوحدة. بدأتْ هنا المناورات إذ حاول كلّ طرفٍ الوصول إلى الوحدة وهو أقوى من الطرف الآخر. هنا انتعشت المخاوف. الجنوب مهتمّ بالديمقراطيّة ومُصرٌّ عليها أكثر لأنّه بدأ بالتعدّديّة معتقداً أنّ الديمقراطيّة تحميه وتعطيه أفضليّةً على اعتباره حزباً بل وأنّها لمصلحته. أمّا في الشمال فلم يرغبوا بالديمقراطيّة والتعدّديّة الحزبيّة لكنّهم أبدوا استعدادهم لتطبيق الوحدة أوّلاً على أن نقبل بشروطهم أيّاً كانت ثمّ نعيد لاحقاً ترتيب البيت من الدّاخل.

هنا بدأ «الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ» البحث عن أنصارٍ له في الشمال من الناصريّين وغيرهم وراح يجمعهم. كما تحرّك الشمال على جبهتين: الأولى البحث في الجنوب عن المعارضين السابقين للنّظام من السلاطين وأعضاء «جبهة التحرير» و«رابطة أبناء الجنوب اليمنيّ» والذين انشقّوا عن «الجبهة القوميّة» الموجودين في الخارج، في مصر كما في صنعاء. بحَث الشمال عن الذين تضرّروا من الإجراءات الاقتصاديّة كالتأميم والإصلاح الزراعيّ. وأخذ الرئيس علي عبد الله صالح يجمعهم ويدفعهم للمطالبة بأن يكونوا شركاء في الدولة المقبلة كي يظهر الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ بأنّه لا يمثّل الجنوب بما يكفي.

أمّا الجبهة الثانية التي تحرّك عليها علي عبد الله صالح فهي جبهة الجماعات الإسلاميّة، وتحديداً حزب الإخوان المسلمين وقد كان متحالفاً معهم في الماضي. راح ينشّطهم ويعطيهم النفوذ وينمّي دورَهم داخل المؤتمر الشعبيّ العامّ.

دُعيتُ إلى صنعاء بعدما تلقّيتُ اتّصالاً من علي عبد الله صالح في منزلي في عدن بناءً على مشورة من علي ناصر محمّد. كان ذلك في شهر كانون الثاني / يناير أو شباط / فبراير قبل الوحدة بشهرين أو ثلاثة. قال لي لماذا لا تزور صنعاء. وكان يريدني أنْ أطلع أنا ومجموعة أخرى [من الشماليّين في عدن] اتّفقتُ مع الأمين العامّ للحزب الاشتراكيّ اليمنيّ لأنّه لم يكن حتّى ذلك الوقت قد أعلن عن عضويّتي في المكتب السياسيّ ولا جرى الإعلان على أن الحزب الاشتراكيّ اليمني موحّدٌ على مستوى اليمن كلّه.

ذهبنا إلى صنعاء مع وفدٍ آخر من الحزب فاستقبلونا هناك استقبالاً ممتازاً أنا والوفد الذي معي. نزلنا في الفندق على حساب الدولة، كان المرحوم سلطان أحمد عمر موجوداً معنا لكنّي لا أذكر ما إذا كان يحيى الشامي في عداد الوفد أيضاً. أقمنا في فندق حدّه - شيراتون. المهمّ استقبلونا استقبالاً حافلاً ومنحونا إمكانيّة الحديث مع الصحافة كما وجّهوا تعليماتٍ بضرورة التعامل معنا علو نحوٍ جيّد، وقد أشرف الرئيس شخصيّاً على طريقة استقبالنا وأوعز إلى كبار مسؤولي الدولة أن يدْعونا الى الضيافات ويجعلونا نشعر بأنّنا أصبحنا حاكمين أو قريبين من الحكم وبأنّنا أصحاب نفوذٍ كبير في صنعاء، وقد كنّا مطرودين منها في السابق.

خلافٌ على تطبيق الحدود

أثناء وجودي في صنعاء وقعت مشكلةٌ بين علي البيض وعلي عبد الله صالح حول تطبيق الحدود الشرعيّة المنصوص عليها في الدستور وعلى الكيفيّة التي سيتمّ تطبيقها. فهناك نصٌّ في الدستور يشير إلى عدم جواز قطع اليد أو الرّجل بطريقةٍ بشعة. دار النقاش حول مستقبل الدولة واختلفوا على قطع يد السارق. قال علي البيض إنّنا لا يمكن أن نقبل بهذا النوع من الحدود وإنّ هذا أمرٌ لا تقبله البشريّة في هذا العصر، رافضاً القطع والبتر. فردّ علي عبد الله صالح بضرورة قطع الأيدي والأرجل وضرورة أن يُطبّق هذا الحدّ. لم يكن علي عبد الله صالح مع تطبيق هذه النّصوص لكنّه أراد إرضاء الجناح الإسلاميّ. ولسان حاله: أنا أفرض على الجنوبيّين، على الشيوعيّين، هؤلاء الأفكار والقوانين خاصّتَنا. أدّى هذا إلى أزمةٍ بين الرجلين وتأزّم الموقف.

فوجئتُ عندما اتّصلوا بي في الفندق وقالوا إنّ الرئيس يريدني في تعزّ عارضين عليّ طائرةً سريعةً لنقلي. استغربتُ هذا العرض وأكّدت أن لا ضرورة لإحضار طائرة فأنا أستطيع استخدام سيارتي، وأبلغْتهم أنّي سأنتقل إليهم في اليوم التّالي. بحلول الظّهيرة كنتُ عند الرئيس في تعزّ حيث استقبلني بحفاوةٍ غير معهودة في منزله. تناولنا طعام الغداء وحدنا وانتقلنا إلى غرفة المقيل، وكان هناك قات جميل من جبل صبر، وهو قاتٌ مميّز. وقد يستغرب القارئ إذا عرف أنّنا تناقشنا من الساعة الثالثة والنصف بعد الظهر إلى الساعة الحادية عشرة ليلاً. وأعتقد أن الرئيس علي عبد الله في هذا المقيل أراد أن يأخذني إلى جانبه كلّيّاً. وكان عنده يقينٌ بأنّه سينجح إذ اعتمد على خبرته الطويلة جدّاً في كسب الشخصيّات الحزبيّة وإخراجها من الأحزاب لتقف إلى جانب الحكومة، إلى جانبه. أمّا السبب الأساسي لتلك الدعوة فهو النّقاش في الخلاف الذي وقع بينه وبين علي سالم البيض. لم يُدخلني في قضايا شخصيّة ولم يسألني عن حياتي الشخصيّة، فقد طلب من الأجهزة أن توفّر له ما يمكن من معلوماتٍ عن حياتي الشخصيّة وعن قريتي. لكنّه لم ينسَ في آخر الحديث أن يسألني عن حياتي الشخصيّة ومشاكلي وحاجاتي وظروفي. لكنّي شعرتُ بأنّه ليس من الضروريّ أن أتحدّث له عن مشاكلي بنوعٍ من المبالغة، وقد حرصتُ على ألّا أتوقّف عند هذه المسألة كثيراً، وأخبرته أنّ لديّ منزلاً في عدن ومنزلاً في القرية. وقد كان هذا الموضوع منتهياً بالنسبة لي إذ تجاوزتُ مرحلة الشكوى من ظروفي.

bid22_zakira_jarallah_photo1_rgb.jpg


علي عبد الله صالح مع أمين الحزب الاشتراكي حينها علي سالم البيض في 30 تشرين الثاني / نوفمبر 1989 خلال التوقيع على اتفاقية الوحدة

وفي خطّة النّقاش التي رسمَها أظهر لي أنّه يملك عيوناً داخل الحزب، فبدأ يتحدّث عن الخلافات داخل الحزب الاشتراكيد اليمنيّ في عدن، وقال إنّه مطّلعٌ على الخلاف بأكمله وكان كلّ طرف يستشيره، وقال: عندما أُقصي عبد الفتّاح إسماعيل كنتُ أعلم بالأمر. لكن كان هذا تمهيداً لفكرةٍ أخرى. أعترف بأنّ بعض المعلومات التي قالها قابلتْ بعض الحقائق التي حصلتْ عندنا، لكنّني كنتُ أعرف أنّ الحزب مخترَق وأنّ أعضاءً هربوا سلّموا معلوماتٍ، وقد كان الأمين العامّ يعرف الكثير هو أيضاً، ولم يعد في الأمر أسرارٌ.

قال لي علي عبد الله صالح: «في النّهاية أنتَ في الجنوب ويعتبرونك من الشّمال، وهو أمرٌ صحيحٌ من ناحية وغير صحيح من الناحية الأخرى. وقد تناقشنا في النهاية مع الإخوة في الجنوب وأخبرتهم عن كيفيّة توزيع الحكومة المقبلة، فأنا عندي جنوبيّون معارضون لهم، يجب أن أعطيهم نصيباً في الحكومة، وهم لديهم شماليّون هاربون في عدن، قلت لهم: أنتم عليكم أن تعطوهم مناصب من نصيبكم. إلّا أنّهم يرفضون أن يعطوكم وزراء للهاربين من حزب الوحدة الشعبيّة». طبعاً هذا الكلام ليس صحيحاً، فهو مَن كان يعارض وجودنا في الحكومة ومنْحَنا مناصب فيها، وكان يريد ممارسة الضّغط علينا من عدن. صحيحٌ أنّهم كانوا رافضين منحنا أيّ منصب، كانوا متّفقين، لكنْ هو أيضاً رفض منحنا ذلك بذريعة أنّ هؤلاء مخرّبون.

بعد ذلك، عرض عليّ أن يعطي أعضاء حزب الوحدة الشعبيّة الهاربين في عدن حقيبتين من نصيبه في الحكومة إذا كانت الحكومة مناصفةً بين الشمال والجنوب. وفي الحوار بيني وبينه، كان يقول: أعطيك وزارة في الحكومة أنت وأحمد علي السلامي ويحيى الشامي أو من ترغب به بجانبك، بشرط أنّكم تخرجون من الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ وننشئ حزباً لنا وحدنا، متسائلاً عن سبب تبعيّتنا للحزب الاشتراكيّ اليمنيّ. وراح يقول إنّ الحزب موجودٌ الآن في الدولة لكن نحن الموجودون في الشمال لا نملك صوتاً أو منصباّ. وأبدى استعداده لقبولنا لديه وإعطائنا مناصبَ في الوزارة على الرّغم من معارضتنا له في الشمال وكأنّ ذلك رغبة في التعدّديّة، لكن هي تعدّدية لفكّ الحزب الاشتراكيّ إلى شمالٍ وجنوب.

لم أعلّق كثيراً على المشاكل داخل الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ. قلت له إنّ ذلك حصل في الماضي ونحن الآن إزاء وضعٍ جديدٍ. لم أخبره ما إذا كان كلامه صحيحاً أم لا. أبلغته أنّ الخلافات التي كانتْ داخل الحزب والتي يعرفها أو هو جزءاً منها أصبحت من الماضي ونحن الآن نفكّر بالمستقبل. وفي ما يخصّ خلافه مع علي البيض أخبرتُه أنّ هذا الخلاف يحصل اليوم وغداً يمكن أن يحصل خلافٌ آخر، وعلينا أن نتوقّع حصول مثل هذه الخلافات. وأبديتُ استعدادي للمساهمة في حلّ هذه المشكلة وهي بسيطة [كذا] لأنّ الذي نحن عليه كبيرٌ ويجب أن نتوقّع حصول خلافات وعوائق بحجم هذا المشروع الكبير. وبالنسبة إلى العرض حول أن نصبح وزراء وننشقّ عن الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ، أخبرتُه «أنّك اتّفقتَ مع الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ وعلي البيض وآخرين على توحيد اليمن، وتقسيم الحزب الاشتراكي اليمنيّ هو مشروعٌ مضادٌّ للوحدة. أنْ نعيد خلق الحزب الاشتراكيّ الجنوبيّ والحزب الاشتراكيّ الشماليّ في ظلّ الوحدة فهذا تقسيمٌ وتفتيتٌ للأحزاب على أساسٍ جغرافيٍّ وأساسٍ رأسيٍّ، ونحن نريد التقسيمات السياسيّة والقبليّة على أساسٍ أفقيّ في الساحة اليمنيّة كلّها، وهذا يتنافى مع رغبتك في توحيد اليمن كمشروعٍ كبير، وتقسيم الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ مشروعٌ صغيرٌ ومضادّ للمشروع الأوّل». ونصحته بألّا يفكّر بهذا الموضوع، ومن حقّه من الناحية السياسيّة التكتيكيّة أن يمتعض من علي البيض ويردّ عليه ولكن على الرد أن يكون تكتيكيّاً وليس استراتيجيّاً، فهذا الردّ كبير. أمّا بالنسبة إلى الوزارات، فقلت له إنّي لا أحبّ أن أكون وزيراً، أنا شخصيّاً من ناحيتي لا أطمح الى ذلك والوزارة ليست مبتغاي، وما أهدف إليه من العمليّة السياسيّة هو موضوع أكبر لأنّ الوزارة صغيرة وأنا طموحي كببر - وكنت مبالغاً في هذا - أنا في المكتب السياسيّ وسكرتير حزب الوحدة الشعبيّة، أنا أكبر من وزير. قال: يعني يمكن أن تكون في المجلس الاستشاريّ، قلتُ ممكن إذا اتّفقتم على أن أكون مستشاراً على أن أكون وزيراً، فالوزارة عملٌ إداريّ. بعد ذلك قلت له نكتة: «أنا أشكرك على هذا العرض الكبير، لكن الحزب الاشتراكيّ يريد أن يعقد معك صفقة كاملة. يسلّم نفسه لك بشكلٍ كامل، كلّنا سلّمنا أنفسنا، العاصمة، الدولة، صنعاء، وستكون أنتَ رئيساً، سنعطي أنفسنا لكَ بالجملة وسنصبح تحت قيادتك فلمَ تريد أن تأخذنا بالتّقسيط وعلى دفعات؟ سنكون أنصارك كرئيسٍ للدولة فلمَ تريد أن تقسّمنا، اتركنا مع بعضنا البعض وسنكون أقوى وسنساندك». يذكّرني هذا بتصرّفات بعض الضبّاط السوريّين إذ كان عندهم الحزب القوميّ السوريّ في لبنان كلّه يؤيّد سورية، فقام الضبّاط بتقسيمه إلى قسمين، الحزب الاجتماعيّ السوريّ المجلس الأعلى والحزب القومي الاجتماعي قيادة الطوارئ، فخسر الحزب القوميّ وخسرت سورية، قسّمت أنصارها، و«أنتَ تريد تقسيم الحزب الاشتراكيّ اليمنيّ». ضحكنا مع بعضنا البعض وانتهى المقيل. وعدتُ في اليوم التالي إلى صنعاء.

مساعدة ماليّة أم رشوة؟

بعد فترة سافر هو إلى الأردن في زيارةٍ، وكان ينوبه هنا من النّاحية العمليّة علي محسن صالح. وكنتُ في الفندق عندما أرسل لي رسولاً أو اتّصل بي بالهاتف وقال لي إنّ الرئيس اتّصل من الأردن وكلّفه أن يبعث لي ولزملائي مبلغاً من المال كي نزور عوائلنا هنا في صنعاء. شكرتُه وأخبرته أنّ الحزب أعطانا أموالاً وأنّنا في وضعٍ ممتاز، لكنّه أصرّ وقال إنّ هناك ضابطاً يُدعى الحاروفي سيصل إلينا. وبالفعل جاء في اليوم التّالي إلى الفندق ومعه مبلغٌ كبيرٌ من المال بالنسبة إلينا إذ كان الدولار يساوي خمسة ريالات. حاول هذا الضّابط تسليم المال لي من دون أي ورقةٍ أو سند، فأخبرتُه أنّني كلّمتُ علي محسن والمسؤول الماليَّ وأنّه لا بدّ أن يأخذ سنداً. وكان اسم أمين الصّندوق لدينا علي يحيى من أبناء منطقة الحشا في محافظة الضّالع. إلا أنّ الجماعة أرسلوا لنا المال من عدن، نصرفه منّا أمّا الفندق فهو على نفقة الدّولة. طلبتُ من المسؤول الماليّ إعطاءه سنداً بالمبلغ، وقال لنا الضّابط إنّه ليس مكلّفاً بأخذ سندٍ وأنّهم طلبوا منه أن يدفع لي الأموال، لكنّي أصررتُ على أن يأخذ السّند.

ثمّ دعوتُ زملائي، ومنهم عضو المكتب السياسيّ حسين الهمزة وعضو اللّجنة المركزيّة محمد الشيباني والقائد العسكريّ المرحوم محسن عبد الحميد وآخرون، وكان هؤلاء ممثّلين للحزب والجبهة الوطنيّة، وكان هناك أيضاً في صنعاء سعيد أحمد الجناحي وعلي محمّد الصّراري، وقد دعوتُهم وأخبرتهم أنّ هذه الأموال صُرفت لنا ونحن نتصرّف بها بناءً على قرارٍ جماعيّ. واتّفقنا على أن ندع هذه الأموال للأمور الضروريّة ونصرف المبلغ الأكبر منها من أجل إصدار صحيفة في صنعاء ناطقة باسم الحزب والجبهة. وقد أودعنا مبلغاً كبيراً في المصرف موّلنا من خلاله إصدار صحيفة هي «المستقبل». عملتُ على الّا يكون المبلغ سريّاً شخصيّاً وأن يُصرف بعلم الجميع.

على هذا المنوال ظللْنا في صنعاء نحاور الناس ونناقشهم لكن تغيّر الجوّ قليلاً، إذ أصبح البعض يسأل عن سبب رفض «هذا» لمنصبٍ وزاريّ. لم يُظهر لي الرئيس غضبه إنّما برز هناك استفهامٌ عن سبب رفض جار الله عمر للوزارة وللأموال وهو نفسه بحاجةٍ للأموال، وكان هناك أيضاً أوامر صرف أراضٍ في صنعاء، فقد أخبرني محمّد معياد وهو أحد ضبّاط الشرطة وأصبح فيما بعد المدير العام لأمن حضرموت، أنّي تلقّيتُ أوامر من الرّئيس بقطعة أرضٍ هنا في صنعاء وأنّ الرئيس طلب منه تبليغي بذلك، شكرتُه وقلت له إنّي لا أريد، سألني عن السبب فقلت إنّ الأراضي تتحوّل إلى مشاكل ونزاعات وتشغلني عن عملي. وعندما دعيتُ إلى عدن قيل لي إنّه صرف لأعضاء اللجنة المركزيّة أكثر من قطعة أرضٍ في عدن. وأستطيع أن أؤكّد لنفسي وللجميع أنّني لم أتسلّم قطعة أرضٍ لا في عدن ولا في صنعاء.

وقد حصلتُ على هذا البيت [حيث تجري المقابلة] بقرارٍ من الدولة بعد قيام الوحدة، ولمّا كنتُ لا أملك سكناً قُدّمتْ لنا هذه البيوت بثمنٍ قمنا بتقسيطه من المرتّب، وقد قدّمت لنا ليبيا هذا المشروع حيث تمكّنّا من إقناع العقيد معمّر القذافي أثناء زيارتنا إلى ليبيا مع وفدٍ من المؤتمر الشعبيّ العامّ بعد الوحدة بتقديم مساعدةٍ لليمن في حلّ مشكلة سكن المنتقلين من عدن إلى صنعاء الذين لا يملكون مساكن في صنعاء. وقد حُدّدت علينا قيمة بأسعار عام ١٩٩١ مقابل أن تقدّم الدولة الأرض مجّاناً، وقد دفعتْ ليبيا الدولار ونحن دفعنا سعر التّكلفة حيث وصلت القيمة إلى ثلاثة ملايين ريال، والتّشطيب على حسابي، وقد كلّفني ما يوازي أكثر من القيمة وحصل ذلك بدعمٍ من بعض الأصدقاء، وليس لديّ أيّ قطعة أرض في صنعاء على الرّغم من أنّه عُرض عليّ لكنّي رفضتُ ذلك، فهذه مرحلةٌ انتهت.

العدد ٢٢ - ٢٠١٩
التعدديّة، أم النفط، أم الوحدة الفوريّة؟

إضافة تعليق جديد

تهمّنا آراؤكم ونريدها أن تُغني موقعنا، لكن نطلب من القراء أن لا يتضمن التعليق قدحاً أو ذمّاً أو تشهيراً أو تجريحاً أو شتائم، وأن لا يحتوي على أية إشارات عنصرية أو طائفية أو مذهبية.